بخطى يثقلها الفقر والتضييق على الحريات العامة، يقترب الإيرانيون من صناديق اقتراع تفتح أبوابها الجمعة 19 مايو الجارى، للتصويت إما على تجديد الثقة فى الرئيس الحالى حسن روحانى وانتخابه لولاية رئاسية ثانية، أو الاختيار ما بين 5 مرشحين آخرين.
وفى انتخابات رسم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئى ملامحها بدقة قبل عدة أسابيع وأجاز أسماء ومنع آخرى من الترشح عبر مجلس صيانة الدستور الذى يحدد مدى أهلية الأفراد للمنافسة على منصب الرئيس، يعلق الكثير من الإيرانيين الآمال على تحسن الوضع الاقتصادى الذى واصل انحداره منذ سنوات متأثراً بالعقوبات الدولية التى لم يعرف قرار اسقاطها طريقه للتنفيذ على الرغم من الاتفاق النووى بين الحكومة الإيرانية والمجتمع الدولى.
ويتنافس فى الانتخابات التى تنطلق بعد 10 أيام 6 مرشحين يمثلون جبهة الإصلاحيين وفى صدارتهم الرئيس حسن روحانى ونائبه إسحاق جهانجيرى ، وهاشمى طبا وزير الصناعة الأسبق والذى تولى منصب نائب الرئيس خلال عهدى الرئيسين هاشمى رفسنجانى ومحمد خاتمى، وجبهة المحافظين وفى مقدمتهم، إبراهيم رئيسى رئيس مؤسسة العتبة الرضوية بمدينة مشهد، ومحمد باقر قاليباف عمدة طهران الحالى، ومصطفى ميرساليم وزير الثقافة الأسبق.
ورغم تباين الأجندات والبرامج الانتخابية لمرشحى الجبهتين إلا أن اندراج منصب الرئيس فى المرتبة الثانية لهرم السلطة فى إيران الذى يعتليه المرشد منفرداً تظل تطلعات الإيرانيين فى التغيير الجذرى داخل دوائر السلطة والحكم فى بلادهم حلماً بعيد المنال، وتظل أقصى آمالهم هى النهوض بالوضع الاقتصادى وانتخاب من هو قادر على التفاوض مع المجتمع الدولى والخروج من تحت وطأة العقوبات الأممية والأمريكية.
وبعد مناظرتين لمرشحى الانتخابات الستة، بدأت ملفات الشد والجذب بين التيارين فى الظهور على السطح واحتلت مساحات لافتة فى الصحف التابعة لكل معسكر على حد سواء، حيث يدافع التيار الإصلاحى بقوة عن ضرورة منح أكبر قدر ممكن من الحريات الشخصية للمواطنين والمساواة بين الأعراق والمذاهب المختلفة، كما يدعو إلى المزيد من المرونة فى العلاقات الخارجية مع الغرب دون مساس بالمصالح الوطنية ، فيما يتبنى التيار المحافظ ومرشحيه توجهات المرشد الأعلى للثورة وجنرالات الحرس الثورى الداعية لتصعيد المواجهة مع الغرب وفى المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
المرشح قاليباف يلتقط الصور مع أنصاره
وخلال المناظرة الأخيرة ، وجه باقر قاليباف عمدة طهران الأوفر حظاً بين المحافظين بحسب استطلاعات الرأى، سيلاً من الانتقادات للإصلاحيين وفى مقدمتهم الرئيس حسن روحانى متهماً الحكومة الحالية بالإخفاق فى إحراز أى تقدم على صعيد الاقتصاد وحملها مسئولية عدم شعور الجماهير بتحسن أوضاعهم المعيشية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار العشوائيات على الرغم من الرضوخ لقوى الغرب فى الاتفاق النووى الأخير مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الذى لم يحدث على حد قوله .
ابراهيم رئيسى مع انصاره
وبخلاف بقية المرشحين، يظل إبراهيم رئيسى الحصان الأسود للمحافظين رغم تقدم قاليباف فى استطلاعات الرأى، حيث يحظى بدعم من هرم السلطة ومن يلقبون أنفسهم بـ"جبهة الصمود"، كما يرجح مراقبون اقترابه أيضاً من خلافة خامنئى فى منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
روحانى فى التجمعات الانتخابية
وفى المقابل، ورغم الحظر الاعلامى الذى طالما عانى منه تيار الإصلاحيين ، شن الرئيس حسن روحانى هجوماً على المحافظين مؤكداً أن المشكلات الاقتصادية والبطالة جذورها تعود إلى عقود ماضية ويقف وراءها سياسات التيار المتشدد، معرباً عن استنكاره للانتقادات التى يتم توجيهها لإدارته السياسية للبلاد بسبب تعيينه منتمين لمذهب السنة ونساء فى مناصب قيادية .
ودون أن يحدد أسماء، قال روحانى إن "البعض" يحاول إفساد الاتفاق النووى وعرقلة مسارات التهدئة مع الدول الكبرى التى من شأنها أن تؤدى إلى رفع العقوبات الاقتصادية، فى إشارة إلى قيام الحرس الثورى بإطلاق صاروخ باليستى فى 2016 كتب عليه "إسرائيل يجب أن تُمحى"، ما استدعى تدخل المتحدث باسم رئاسة أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال مسعود جزائرى، حيث حذر المرشحين من التطرق إلى المسائل السياسية العسكرية والدفاعية الحساسة، قائلا: "نطلب مرة أخرى من المرشحين للانتخابات ألا يتدخلوا فى المسائل العسكرية والدفاعية الحساسة".
وفى جولاته الانتخابية، كرر روحانى تصريحاته حول "تجار العقوبات" الذين اعتاد الحديث عنهم منذ عام 2015 أى وقت توقيع الاتفاق النووى، وقال روحانى "فى الأربع سنوات الماضية استاء تجار العقوبات من كساد تجارتكم، تريدون أن تعيدونا إلى الوراء 4 سنوات، نحن لا نتراجع واختارنا طريقنا"، وفى تصريح أخر قال "أقول لأولئك الذين قطعوا الألسن وكمموا الأفواه وكسروا الأقلام، ألّا يتحدثوا عن حرية التعبير والإنتقاد، فالحرية ستخجل!".
ويحظى روحانى بإجماع الجبهة الاصلاحية والمعتدلين، فضلا عن مساندة الزعيم الاصلاحى ، الرئيس الأسبق محمد خاتمى، والذى اطلق دعوات لإعادة انتخابه للحيلولة دون عودة العقوبات وعزلة طهران دوليا، ويعتقد هذا التيار أن فوز روحانى مرجح للغاية نظرا لخسارة المحافظين فى الانتخابات البرلمانية فى فبراير الماضى وعدم وجود انسجام بين كوادر هذا التيار فضلا عن تعدد مرشحيهم.
وفى الوقت الذى يؤكد فيه مراقبون اعتماد التيار الإصلاحى على سياسة "مرشحي الظل" والذين سينسحبون فى المشهد الأخير لصالح الرئيس حسن روحانى، يعانى تيار المحافظين من تعدد المرشحين الذين لا ينتوى أياً منهم على التنازل لصالح الآخر، ما سيؤدى بطبيعة الحال إلى تفتيت أصوات الكتلة المحافظة فى انتخابات الرئاسة المرتقبة.
وخلف الكواليس، يبحث المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، على خامنئى، عن نسبة مشاركة عالية بغض النظر عن اختيار أى مرشح، وقال فى وقت سابق: "عندما يحضر الشعب بقوة فى الانتخابات، فإن العدو يتراجع ولا يستطيع التجاوز"، لافتا إلى أن "حضور الشعب هو من يبعد ظل الحرب، وهو من يجلب أمن البلاد".
وقبل 10 أيام على مارثون الانتخابات الإيرانية ، رجح مركز الإحصاء فى جامعة طهران حصول الرئيس الحالى والمرشح فى الانتخابات الرئاسية حسن روحانى على 34% من أصوات الناخبين، فيما حل بالمرتبة الثانية وبنسبة 28% عمدة طهران محمد باقر قاليباف.
وحل رجل الدين ومرشح تيار المحافظين، إبراهيم رئيسي، ثالثاً فى الاستطلاع بنسبة 16% ، بينما جاء فى المراكز الأخيرة كل من معاون الرئيس الإيرانى إسحق جهانجيرى بنسبة 2% والمرشح الإصلاحى مصطفى هاشمى طبا بنسبة 1% فقط وبالنسبة نفسها المرشح مصطفى ميرسليم.