قال تعالى: «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون»، وقال الله عز وجل: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (آل عمران: 92).
المعنى الإجمالى للآية: أن الله جل وعلا يخبر أن معالى الأمور، وجوامع كل خير، لا تُنال إلا بإنفاق الإنسان لأشياء يحبها، فلا يَنَالُ الإنسان الْبِرَّ ولن يحصل عليه ويدركه إلا إذا تخلى عن محبة الدنيا والتعلق بها وقدم منها لله أحبه إلى نفسه طمعا فيما عند الله جل وعلا من ثواب وعطاء وجزاء.
والمال هنا ليس حصرًا على النقدين الذهب والفضة، وإنما المال كل ما يتموله الإنسان ويملكه من نقدين، أو أراض، أو عقار، أو غير ذلك، كعروض التجارة، فهذا كله يدخل تحت مسمى المال. وكأن الآية تشير إلى ما جبلت عليه الطبائع من حب شديد للمال، يقول الله تعالى: «وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا» (الفجر: 20)، وقال جل ذكره: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» (العاديات: 8). ويشير رب العالمين إلى كرمه وجوده وعطائه وجزائه بقوله سبحانه: «وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (آل عمران: 92)، فكل ما ينفقه الإنسان مما عظم أو حقر يعلمه الله جل وعلا ويكتبه له، إن خيرًا فخير، وإن كان غير ذلك فغير ذلك، وما ظن العبد بربه الكريم إذا أكرم وأنعم؟!
فإذا بلغ الإنسان مرتبة يتخلى فيها عما يحب لشىء أعظم- وهو حبه لله جل وعلا- كان ذلك موصلاً لطريق الخير والبر، وقد سارع جيل الصحابة رضى الله تعالى عنهم وأرضاهم وهم أعظم جيل بلا شك، فقد ناصروا نبينا صلى الله عليه وسلم وأيدوه ووقفوا معه، فهم شامة فى جبين الأيام، وتاج فى مفرق الأعوام رضى الله عنهم وأرضاهم، لما نزلت هذه الآية تسابقوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم فى الإنفاق مما يحبون.
ومما نقل فى الصحيحين من حديث أبى طلحة الأنصارى رضى الله عنه من رواية أنس، أن أبا طلحة الصحابى الجليل كان له نخل فى مقدمة المسجد النبوى تسمى: بيرحاء، وكانت فى مقدمة المسجد، وكان ماؤها عذباً طيباً، فكان النبى عليه الصلاة والسلام يدخل ذلك النخل فيشرب من ذلك الماء الطيب، فلما نزلت هذه الآية عمد هذا الصحابى الجليل رضى الله عنه وأرضاه فأشهد النبى صلى الله عليه وسلم على أن هذا النخل صدقة فى سبيل الله، فقبلها عليه الصلاة والسلام وقال له من باب الإرشاد: «اجعلها فى أقربائك» فجعلها أبوطلحة بأمر النبى عليه الصلاة والسلام وإرشاده فى اثنين من الأنصار هما: حسان بن ثابت وأبى بن كعب، وكانا من ذوى قرابة أبى طلحة رضى الله عنه وأرضاه.
فالإنفاق هو أن ينفق الإنسان من أحب ما لديه، دون أن يضر من هو مسؤول عنهم وتلزمه نفقتهم من أهل وأبناء ومن له حق عليه، والإنفاق من أعظم أسباب حصول الخير، ولكن بضوابطه الشرعية، وكلما كان فى السر كان أبلغ وأعظم، فقد قال عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعة: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، كلما كان فى أهله المستحقين كان أبلغ وأعظم.. وهكذا.
والبر المذكور فى الآية اختلف العلماء فى المقصود به: فقيل: هو الجنة، ويصبح تقدير الآية لَنْ تَنَالُوا ثواب البر الذى هو الجنة، وقيل: إن البر اسم جامع لكل خير، والمعنى: أن يصل الإنسان إلى الاسم الجامع لكل خير. وليس بين المعنيين تناقض، بل المعنى متقارب؛ وما أحوج مجتمعاتنا إلى أن تمتد يد الإحسان والبر والمعروف إلى أصحاب الحاجات فيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة