فيما انتصف شهر رمضان تتوالى ألوان الفرح والعشق المصرى للشهر الفضيل وتشكل جماليات التلاوة المصرية للقرآن الكريم زادا ثقافيا رمضانيا وصفحة دالة ومضيئة فى الثقافة الإيمانية.
وتتجلى فنون وألوان الترتيل القرآنى بأصوات مصرية خالدة فى ذاكرة الزمان والمكان كصوت محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والشعشاعى والحصرى وعبد الباسط والمنشاوى والبنا والطبلاوى فضلا عن الدكتور أحمد نعينع.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن تهتم منتديات وفضاءات ثقافية بتنظيم احتفاليات فى حب تلك الأصوات الخالدة مثل الشيخ محمد رفعت كأحد أعظم الأصوات المصرية فى تلاوة آى الذكر الحكيم، كما يحرص كثير من المستمعين لإذاعة القرآن الكريم على متعة الإنصات لأصوات عبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل والحصرى والمنشاوى والطبلاوى وأبو العينين شعيشع ومحمود على البنا.
وليس من الغريب أيضا أن تتحول "دولة التلاوة المصرية" إلى زاد ثقافى فى صورة العديد من الكتب من بينها كتاب من إصدارات دار الهلال بقلم الناقد الراحل الكبير كمال النجمى عن الشيخ مصطفى إسماعيل والذى يستعرض فيه من منظور ثقافى رحب حياة هذا المقرئ المصرى العظيم فى ظل القرآن.
والكتاب الصادر بعنوان "الشيخ مصطفى إسماعيل.. حياته فى ظل القرآن"، يعبر عن الشغف الثقافى الحميد بالبحث فى خبايا "دولة التلاوة المصرية للقرآن" فيما يشير كمال النجمى الى أن بزوغ نجم الشيخ مصطفى إسماعيل جاء فى وقت كان فيه "القاريء الأكبر الشيخ محمد رفعت" على قيد الحياة غير أنه كان ايضا قد تقاعد واعتزل الناس بعد ظاهرة غريبة ومحزنة حقا وهى "احتباس صوته".
ولبعض كبار المقرئين المصريين كتب ومؤلفات فى علوم القرآن الكريم مثل شيخ عموم المقارئ المصرية الراحل محمود خليل الحصرى الذى ترك 12 كتابا بعناوين دالة مثل: "مع القرآن الكريم " و"أحكام تلاوة القرآن الكريم" و"رحلاتى فى الإسلام".
وإذ يتفق العديد من المثقفين المصريين والعرب على أن التفرد المصرى فى جماليات التلاوة القرآنية يمثل مصدرا أصيلا للقوة الناعمة المصرية فإن حقيقة النفس المصرية المؤمنة تتجلى على وجه الخصوص فى شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان بينما تتوالى صنوف الشوق والتوق والرجاء فى رحمة ومغفرة الرحيم الغفور.
ويقول مثقف مصرى كبير هو الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية أنه مستمع جيد للقرآن الكريم ويفرق بين أصوات مقرئين مثل مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود خليل الحصرى ومحمود على البنا والطبلاوى وأحمد نعينع ويسبقهم جميعا الصوت الملائكى للشيخ محمد رفعت.
ويعشق المصريون ألوان الترتيل للكتاب الكريم بأصوات كبار القراء فى أرض الكنانة وهى أصوات مصرية مبدعة يشعر من يسمع لها وينصت بمدى قرب ما بين السماء والأرض وكأن رمضان يجدد العهد والحب مع المصريين.
ومع الانصات الخاشع لآيات الذكر الحكيم تنبعث فى قلوب الملايين رقة وخشوعا واشتياقا متجددا أبدا لخير الشهور فيما تنجلى الشخصية المصرية بتدينها السمح وفهمها العميق لروح الدين الحنيف.
وأوضح القارئ الطبيب أحمد نعينع أن تلاوة المصريين للقرآن الكريم تسمى "بالتحقيق" وهى مرتبة من مراتب القراءة "بتؤدة وتأن واطمئنان مع مراعاة احكام التلاوة" لافتا إلى أن المصريين لا يزالون "رواد التلاوة".
ولئن كان بعض الغلاة حاولوا استيراد أنماط تجافى الإيمان المصرى الفردى والجماعى فلا يزال صوت محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والشعشاعى والحصرى وعبد الباسط والمنشاوى والبنا "تعبيرا عن الإيمان المصرى ولا يزالون ملء السمع والوجدان وتسمع أصواتهم الجميلة حيثما كان هناك مؤمن بالدين الاسلامى العظيم"، فثمة عشق لفن التلاوة المصرى ومحموله الإيمانى الاعتدالى المتسامح والمؤسس على الخشوع والانشراح الإيمانى".
والحديث عن "دولة التلاوة المصرية" يعيد للأذهان طروحات وكتابات لمثقفين وكتاب مصريين كبار عن هذا الموضوع الذى يحلو فى شهر رمضان الفضيل مثل ذلك الكتاب للراحل العظيم محمود السعدنى عن أصوات المقرئين المصريين العظام الذين وصفهم "بألحان من السماء".
ولعل حرص إذاعة القرآن الكريم من القاهرة على تقديم أصوات هؤلاء المقرئين العظام و"اساطين دولة التلاوة" أحد أهم اسباب التفاف المصريين حول هذه الاذاعة التى بدأت ارسالها عام 1964 بإذاعة المصحف المجود والمرتل لأشهر القراء المصريين .
وتقول رئيسة شبكة القرآن الكريم فى الاذاعة المصرية السابقة الدكتورة هاجر سعد الدين أن كل قارئ له أسلوبه وطريقته المتميزة وأنها تعشق سماع القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وكذلك الشيخ مصطفى إسماعيل فضلا عن الشيح محمد رفعت.
وواقع الحال أن اذاعة القرآن الكريم من القاهرة التى تجاوز عمرها النصف قرن تنهض بدور هام فى الثقافة الاسلامية المستنيرة بقدر ماهى مدعوة لمزيد من الجهد المبدع لتجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
وتنوه الدكتورة هاجر سعد الدين بأن إذاعة القرآن الكريم بتاريخها وتأثيرها كان ولا يزال لها دور كبير فى تصحيح المفاهيم ونشر الوسطية والاعتدال معتبرة أنها بمثابة "جامعة إسلامية".
والمؤكد كما تقول الدكتورة هاجر سعد الدين أن إذاعة القرآن الكريم "لها دور كبير فى مواجهة التطرف والإرهاب" فيما ترى ضرورة التركيز على الشرح الصحيح لبعض الآيات القرآنية وذلك حتى يجد المستمع التفسير الصحيح لهذه الآيات فضلا عن التركيز على توعية الشباب والأطفال.
وعلى مدى تاريخها المديد، تميزت إذاعة القرآن الكريم بمحتوى ثقافى دينى استحق التقدير والتف حوله المستمعون فى مصر وخارجها فيما باتت تمتلك تراثا هائلا من البرامج التى اتخذت من وسطية الإسلام منهجا لها وهى بحق تعبر عن الثقافة الإسلامية الصحيحة.
ولئن باتت إذاعة القرآن الكريم تشكل بؤرة إشعاع للثقافة الإسلامية الأصيلة والمستنيرة وتساند المصريين الذين يتطلعون لغد أفضل فإن ثمة حاجة لتأمل الدور الثقافى لهذه الإذاعة الرائدة حقا واستعادة "صفحات جميلة كتبتها فى الحياة المصرية والعربية".
واللافت بقدر ما هو دال أن أحد أكبر وأعظم الشعراء المصريين وهو الشاعر الراحل محمود حسن إسماعيل كان أول من تولى مسئولية إذاعة القرآن الكريم عند تأسيسها وهو أيضا الذى سعى بدأب لجمع تسجيلات الشيخ محمد رفعت فى التلاوة العطرة وحفظها فيما شب هذا الشاعر المبدع على حفظ القرآن الكريم.
والشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل الذى ولد فى الثانى من يوليو عام 1910 وتخرج فى كلية دار العلوم عام 1936 وقضى فى الخامس والعشرين من شهر ابريل عام 1977 تولى ايضا منصب رئيس لجنة النصوص بالإذاعة المصرية وكان شعره الفريد موضوعا لعدة رسائل جامعية.
وفيما تظهر استطلاعات الرأى أن إذاعة القرآن الكريم من أكثر الإذاعات التى تحظى بإقبال المستمعين خاصة فى شهر رمضان فمن حسن الطالع أن هذه الإذاعة الرائدة تهتم أيضا بقضايا المرأة والطفولة والشباب والمعاملات والأحوال الشخصية وإبراز السلوكيات الإيجابية النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ساعية بإخلاص لتحقيق هدفها السامى وهو تعريف المستمع بصحيح الدين.
وإلى جانب تقديم المصحف المجود بأصوات إعلام التلاوة تقدم إذاعة القرآن الكريم من القاهرة إعلام المبتهلين وبرامج تفسير القرآن فضلا عن الفتاوى والسنة النبوية الشريفة وأحاديث لشيوخ وعلماء الأزهر فيما بات إرسالها على مدار الساعة منذ الحادى والثلاثين من مايو عام 1994 ويغطى اليوم كله.
وتتذكر الدكتورة هاجر سعد الدين أن برنامج "فقه المرأة فى رمضان" هو أول برنامج قدمته فى إذاعة القرآن الكريم لعرض كل القضايا التى تهم المرأة فى هذا الشهر الفضيل فيما تتمنى أن يركز الإعلام الدينى على المشكلات والقضايا التى يواجهها المجتمع.
وهذه الإذاعة الرائدة حريصة على ربط مواضيع برامجها بالواقع الاجتماعى المتغير والرد على أسئلة المستمعين مع تزويدهم بكل ما هو مفيد من الفكر الإسلامى المستنير والمضمون الحضارى لهذا الدين العظيم ومواجهة الأفكار الهدامة والمتطرفة.
ومن هنا فهى تعكس ثقل مصر فى مجال الثقافة الإسلامية بقدر ما تعبر عن دورها الحضارى فيما كان الدكتور عبد الحليم محمود الإمام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر قد وصف يوم بدء إرسال محطة اذاعة القرآن الكريم من القاهرة "باليوم المشهود" مؤكدا أنه كان يسمع القرآن المرتل فى كل شارع يمر به يومئذ.
وفى مقابلة صحفية نوه القارئ الطبيب أحمد نعينع الذى يستند لأصالة الرعيل الأول من عمالقة التلاوة القرآنية بتفرد أداء مدرسة التلاوة المصرية مؤكدا أنه ينبهر بأصوات هذا الجيل الذهبى.
حقا من الذى يمتلك فطرة نقية وذائقة سليمة ولا يعشق أصوات مقرئين مصريين مثل محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والشعشاعى والحصرى وعبد الباسط والمنشاوى والبنا؟! ..أصوات كأنها ألحان من السماء لأهل الأرض" وخيوط من وجد وبهجة تحمل رسالة السماء للأرض وصفحة خالدة فى قصة شعب مؤمن ومنتصر للحياة الكريمة والجميلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة