محمد مختار جمعة

الجمال الحقيقى والصداق الحقيقى

الأحد، 18 يونيو 2017 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الجمال الحقيقى هو جمال الجوهر، وجمال النفس، وجمال الروح، وجمال الخلق، وجمال العقل، فإذا انضم إلى هذا الجمال جمال المظهر، فما أجمل الإنسان إذا سرك مظهره ومخبره معًا، غير أن جمال النفس ومظهرها وسموها هو المقدم وهو الأعلى قيمة والأبعد أثرًا وعليه مدار التفاضل الحقيقى، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، ويقول أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعى فى مقال له تحت عنوان «فى فلسفة المهر»: إن خير النساء من كانت على جمال وجهها فى أخلاق كجمال وجهها وكان عقلها جمالا ً ثالثًا، فهذه إن أصابت الرجل الكفء يسرت عليه، ثم يسرت، ثم يسرت؛ إذ تعتبر نفسها إنسانًا يريد إنسانًا، لا متاعًا يطلب شاريًا، وهذه لا يكون رخص القيمة فى مهرها، إلا دليلًا على ارتفاع القيمة فى عقلها ودينها.
 
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»، فقد اشترط النبى (صلى الله عليه وسلم) الدين على أن يكون مرضيًّا لا أى الدين كان، والخلق على أن يكون مرضيًا لا أى الخلق كان , وقال (صلى الله عليه وسلم): تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».
 
 والسؤال الذى يطرح نفسه: لماذا الدين والخلق أولا؟ وقبل جمال الشكل والمظهر، والإجابة أن الجوهر قبل المظهر ,وأن الجمال أمر نسبى وقابل للتغيير أو الزوال، أما الدين والخلق فهما المعدن الأصيل الذى لا يصدأ أبدًا.
 
فماذا لو كان الاختيار على أساس الجمال فحسب، والجمال أمر نسبى وما تراه جميلًا اليوم ربما لا تراه جميلًا غدًا، وماذا لو رأى الشاب بعد ذلك امرأة أجمل أو رأت المرأة شابًا أجمل منه؟ بل ماذا لو عرض لهذا الجمال ما يذهبه أو يشوهه؛ كأن تعرضت الزوجة أو الزوج أو الفتى الوسيم لحادث أو لمرض أذهب جماله وبهاءه فكيف تكون الحياة آنذاك؟ وهى قد بنيت أصلا على الجمال الظاهرى لا غير.
 
أما الدين والخلق فهما المعدن النفيس، الذى يتجدد بتجدد الأيام، فحتى لو ذهب المال أو ذهب الجمال فإنما يبقى الدين والخلق، فصاحب الدين والخلق إن أحب زوجه أكرمها وإن بغضها لم يبخسها حقها، حتى صداق المرأة الحقيقى فهو ليس ما يقدم إليها من مال أو ذهب أو صداق إنما هو ما تجده من حسن المعاملة، يقول الرافعى : الصداق الحقيقى ليس ذلك المال الذى يُدفع إلى المرأة وهى فى بيت أبيها قبل أن تذهب إلى بيت زوجها , صداقها الحقيقى معاملتها التى تجدها فى بيت زوجها بعد أن تُحمل إلى داره؛ مهرها معاملتها، تأخذ منه يومًا فيومًا، فلا تزال بذلك عروسًا على نفس زوجها ما دامت الحياة بينهما.
   
أما ذلك الصداق من الذهب والفضة، فهو صداق العروس الداخلة على الجسم لا على النفس؛ أفلا تراه كالجسم يهلك ويبلى؟ أفلا ترى هذه الغالية - إن لم تجد النفس فى رَجُلها - قد تكون عروس اليوم ومطلقة الغد؟!، وما الصداق فى قليله وكثيره إلا كالإيماء إلى الرجولة وقدرتها، فهو إيماء، ولكن الرجل قبْل.
 
إن كل امرئ يستطيع أن يحمل سيفًا، والسيف إيماء إلى القوة، غير أنه ليس كل ذوى السيوف سواء، وقد يحمل الجبان فى كل يد سيفًا، ويملك فى داره مائة سيف، فهو إيماء، ولكن البطل قبْلُ، ولكن البطل قبْلُ.
 
إذن فالقضية ليست فى الشكل فحسب إنما هى فى المعنى والمضمون، وليس الجمال الحقيقى هو جمال المظهر، إنما هو جمال الجوهر، وليس الصداق الحقيقى هو المال والذهب إنما هو فى الدين والخلق.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة