دورتنا الرمضانية اليوم عن البر والصلة،
ولما كان رمضانُ شهرَ الرحمةِ والجود، فهو
شهر بر وصلة، فما ألطفَ أن يتعهد العبدُ أهله
وأولى الأرحام منه فى هذا الشهرِ المبارَك، فيُدخِل عليهم الفرحةَ والسُّرور، ويتقرَّب إليهم، احترامًا للكبير ورحمةً للصغير وصلةً للرحم.
فالصائم يَتشبَّه بأخلاقِ النبى (صلى الله عليه وسلم)، حيث كان (صلى الله عليه وسلم) يعتنى فى كلِّ أحوالِهِ بنفعِ الناسِ وإسداءِ الخيرِ لهم، كما قالت له زوجه أمنا السيدة خديجة (رضى الله عنها): ((كلا والله لا يُخزيك اللهُ أبدًًا؛ إنّك لَتَصِلُ الرَّحِم، وتحمِل الكَلَّ، وتَكْسِب المعدوم، وتَقْرِى الضيف، وتُعين على نوائبِ الحق)) ولا ريبَ أنَّ الصائمَ يجد فى شهرِ رمضان فرصة إلى صِلَةِ أرحامِه وزيارةِ أهله وإكرام ذوى القربى منه، وتعهدهم بالزيارة والسؤال، وقد روى الشيخان عن أبى هريرة (رضى الله عنه) أن رسولَ الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (( من أحَبَّ أن يُبسَطَ له فى رزقِه، ويُنسأ له فى أثرِه ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَه )). وما أعظم من أن يَتفقَّدَ العبدُ المؤمن أهله وأقاربه فى رمضان؛ فيُعين فقيرَهم ويرحم ضعيفَهم ويُنفِّس كربَ المبتلى منهم؛ فقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم): (( مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُربَةً مِن كُرَبِ الدنيا نَفَّسَ الله عنه كُرْبةً من كُرَب يوم القيامة))..
وأخرج الإمام البخارى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو (رضى الله عنهما) عن النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أنه قَالَ : ((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)).
كما أخرج الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) أَنَّ رَجُلًًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِنى، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ))، وَمَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمهُمْ الرَّمَاد الْحَارّ، وَهُوَ تَشْبِيه لِمَا يَلْحَقهُمْ مِنْ الْأَلَم بِمَا يَلْحَق آكِل الرَّمَاد الْحَارّ مِنْ الْأَلَم، وَلَا شَيْء عَلَى هَذَا الْمُحْسِن، بَلْ يَنَالهُمْ الْإِثْم الْعَظِيم فِى قَطِيعَته، وَإِدْخَالهمْ الْأَذَى عَلَيْهِ.
وفى دعوة صريحة لتفقد الأهل، وتعاهد الأقارب وأولى الأرحام، أمر الله بإعطائهم من الحقوق الواجبة لهم على أقاربهم الأغنياء، من بر وصدقة، قَال اللَّهِ تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}. وَقَالَ تعالى:
{وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فَأَوْجَبَ الله تَعَالَى حَقَا لذَوى الْقُرْبَى والأرحام، وَافْتَرَضَ الإِحْسَانَ إليهم، وَالإِحْسَانُ يَقْتَضِى التعاهد بزيارتهم، والإنفاق عليهم، والقيام على مصالحهم..
فما أعظم أن نسعى فى هذا الشهر الكريم من إقبالٍ على الخير وحرص على إفطار الصائمين وإكرامٍ للأقارب والأرحام؛ إن رمضان جاء ليحرك الخير فينا، فالخير فى نفوسنا أصلًًا لكن رمضان حرك ما كان راكدًا، وساعد بنفحاته وجوده الإيمانى على ظهوره، ألا فليكن رمضان بداية لنا لا نهاية للجود والكرم والبر وصلة
الأرحام، والإقبال على الخير..
وما لا شك فيه أن الصوم يربى فى قلب الصائم العطف على الفقير والمحتاج حينما يشعر بألم الجوع فيسارع بالجود على المحتاج ابتغاء مرضاة الله، دون انتظار لعوض من أحد، ولا لغرض دنيوى، بل إن الجَوَاد لا ينتظر سؤال المحتاج للمساعدة، ولكنه يسارع بالبحث عنه، ليعطيه العطاء بنفس سخية راضية ترجو الرضا والعطاء من رب يجزل العطاء للمحسنين.
اللهم اجعلنا من المحسنين الذين تجزل لهم العطاء.