بهتافات "الشرعية" احتشدوا خلف شعارات حق يراد بها باطل، قادوا أنصارهم وآلاف المأجورين وتمركزوا فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة ليسوقوا الأكاذيب وليشوهوا حقيقة ما آل إليه المصريون فى عام واحد من حكم جماعة الإخوان، فى وقت كان الشعب يتدفق إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013 باحثا عن العيش والحرية والكرامة، ساعياً خلف دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات، لا تعرف قوانين الأهل والعشيرة، ولا تخضع لمعايير السمع والطاعة.
لم تتخيل الجماعة أن نهايتها ستكون بهذه السرعة فى ظل احتمائها بالخارج واستقوائها بعلاقاتها بعدد من العواصم الدولية والإقليمية، إلا أن إرادة الشعب المصرى الصادقة غلبت كل التوقعات ونجحت الثورة وخرج الإخوان من الحكم بعد عام، كان كافيا لكشف الوجه الحقيقى لهذا التنظيم الإرهابى.
لم تكد الأوضاع داخليا أن تستقر بعد عندما وجدت مصر بعد 30 يونيو نفسها فى مهب الريح تتلقى اللكمات واحدة تلو الأخرى، حيث كانت قنوات الإخوان المفتوحة على العالم قد نجحت فى تشويه ثورة الشعب ضدهم، فولد العهد الجديد وسط عزلة دولية وإفريقية واتهامات بالانقلاب على شرعية الإخوان الزائفة.
الأوضاع داخليا وخارجيا كانت قاسية، ولكن ليس على إرادة الشعب المصرى، الذى وقف وتصدى وساند قيادته الجديدة لعبور الأزمة والدفاع عن خياراته، وكانت تلك الإرادة هى المحرك الأساسى للسياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو، والتى استندت عليها فى كافة المراحل عبر أربع سنوات من الكفاح الدبلوماسى الذى لا يقل أهمية عن كفاح الشعب المصرى.
واليوم وفى الذكرى الرابعة للثورة من أجل حماية الهوية المصرية يبدو المشهد مختلفا، فلقد هدأت العواصف وانكشفت الحقائق وتبين للعالم رجاحة الرؤية المصرية وثبات موقفها، لتعاود مصر الوقوف على أرضها الصلبة فى قلب العالم ومحرك اساسى للأحداث.
سنة أولى ثورة
كانت الأوضاع ملتهبة والصورة مشوشة والعبء على السياسة الخارجية المصرية ثقيل فى ظل عزلة خارجية مفروضة عليها، حيث وقفت القوى العظمى فى واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى فى وجه ارادة الشعب المصرى وجمد الاتحاد الأفريقى عضوية مصر، وبالتالى كان على مصر السعى على كافة الأصعدة.
وفى الوقت الذى كانت الحرب مشتعلة داخليا ضد الإرهاب، كانت الحرب الدبلوماسية قد بدأت بالفعل، فبعد ثورة 30 يونيو كانت هناك مواقف حادة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعمهما لجماعة الإخوان الإرهابية، فى حين كان الموقف الإفريقى نابعا من تراجع العلاقات بين مصر وإفريقيا خال العقدين الأخيرين، وانعكس بعد القاهرة عن عمقها الافريقى على الموقف الذى اتخذه الاتحاد الإفريقى بتجميد عضوية مصر بعد ثورة ٣٠يونيو، لأن مصر تركت موقعها فى القارة ولم يكن هناك دور مصرى لكى يشرح لأعضاء الاتحاد الإفريقى حقيقة ما يجرى فى مصر.
وعمدت السفارات المصرية فى الخارج الى التحرك لشرح حقيقة ما حدث فى مصر فى 30 يونيو موثق بالمعلومات المطلوبة فى محاولة لتصحيح الصورة المغلوطة التى روج لها الإخوان، وتقديم خارطة الطريق التى تم الإعلان عنها فى 3 يوليو لمرحلة التحول الديمقراطى والتأكيد على الالتزام بالجدول الزمنى لتنفيذها، أما المحور الثالث فكان الارهاب الذى تشهده مصر والتى كانت أول دولة تحذر من ان السكوت عنه لن يكون فى صالح الجميع، وأن نيرانه ليست بعيدة عن أوروبا وأمريكا وأى عاصمة أخرى.
وبخلاف الشركاء التقليديين لمصر والذين أداروا ظهورهم للعهد الجديد، حاولت الدبلوماسية المصرية فتح قنوات اتصال مع عواصم جديدة لم تٌظهر هذا العداء الذى أظهرته واشنطن واوروبا، وبدأت تنحو نوعيا نحو آسيا وروسيا وقبرص واليونان وإسبانيا، وبرز ذلك واضحا في زيارة الرئيس السيسي لروسيا عندما كان وزيرا للدفاع وهو ما أظهر توافقا في وجهات النظر بين القاهرة وموسكو في القضايا الإقليمية والدولية، كما دخلت مصر وشركاؤها الآسيويون في علاقات جديدة تمثلت في التعاون الاقتصادي على أساس المنفعة المتبادلة، وتحويل ذلك التعاون من علاقة بين الحكومات فقط إلى علاقة تستوعب قوى المجتمع الاقتصادي ككل وفي مقدمتها رجال الأعمال.
2014 .. عام جنى الثمار
التحرك المصرى الثابت على الصعيد الخارجى والتزامها بتعداتها الداخلية حولوا الدفة لصالح العهد الجديد تدريجيا، حيث نجحت مصر فى اتمام أولى خطوات خارطة الطريق وأجرت الانتخابات الرئاسية تحت رقابة إقليمية ودولية شهدت بنزاهتها، ليكون صعود الرئيس عبد الفتاح السيسى للسلطة بداية فتح الأبواب لعودة القاهرة لمكانتها فى قلب العالم.
وبعد أيام من تنصيب الرئيس السيسى فى حفل شهدته قيادات العالم أجمع، عادت مصر الى مكانها الطبيعى فى إفريقيا حيث رفع الاتحاد التجميد الذى كان قد فرضه على عضويتها، وكان حضور الرئيس بعد ذلك القمة الإفريقية فى مالابو بغينيا الاستوائية بمثابة نقطة تحول وعودة حقيقية نحو القارة وتوالت مشاركاته وحرصه على حضور القمم الإفريقية المتعاقبة والتواصل مع القادة الافارقة، وكانت حريصة بشدة على أن يصل الصوت الإفريقى للمجتمع الدولى وأن تحظى قضايا القارة بأولوية فى المحافل الدولية، وذلك إيماناً بوحدة المصير وأهمية بذل الجهود اللازمة من أجل تحقيق السلام والاستقرار والسعى إلى تسوية المنازعات فى القارة، جنباً إلى جنب مع دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
ومن المنصة الإفريقية إلى المنصة الدولية حيث حضر الرئيس السيسى اجتماعات الأمم المتحدة فى سبتمبر 2014 وألقى بيان مصر أمام حضور زعماء العالم، وشرح من داخل مقر الأمم المتحدة حقيقة المؤامرة التى تعرضت لها مصر ومخاطر الارهاب الذى أصبح يدق أبواب الجميع والتزام القاهرة بتفيذ ما تبقى من خارطة الطريق والتحول الديمقراطى، وهى الزيارة التى شهدت لقاءات مكثفة مع زعماء عرب وأفارقة واوربيين للتعريف بمصر الجديدة بعد 30 يونيو.
وكانت تلك الزيارة الأولى للرئيس السيسى لنيويورك بداية التحول فى العلاقات المصرية الأمريكية ، حيث كانت القمة الأولى للرئيس المصرى ونظيره الامريكى آنذاك باراك أوباما بعد فترة توتر عصيبة منذ الاطاحة بحلفائه الاخوان من الحكم، والتى اعلن على اثرها تعليق المساعدات الامريكية لمصر، واستطاع الرئيس المصرى ان يوضح الحقائق فى هذا اللقاء الذى قاد تدريجيا الى كسب الرأى العام الامريكى.
كما عمد السيسي خلال لقاءاته الى اضافة بند جديد وهو البحث عن حل لمشاكل مصر الأمنية والاقتصادية، بعقد الاتفاقات والمعاهدات لجلب المستثمرين ورجال الأعمال إلى السوق المصرية، في محاولة لإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي كاد ينهار، ولكي يشعر المواطن البسيط بتحسن وتتحقق آماله من قيام هذه الثورة.
وقبل نهاية العام تحولت السياسة الخارجية المصرية من الدفاع عن النفس الى " المبادرة" حيث كانت المنطقة تعج بالصراعات فبدأت تضطلع بدورها كمركز للامة العربية، واعلنت عن موقفها من الملف السورى بعدم التدخل فى الشأن الداخلى لصالح طرف أو آخر، وحاولت توحيد جهود المعارضة السورية والتركيز على أطر الحل السياسى لهذه الأزمة بما يضمن لسوريا وحدتها ويحقق آمال وتطلعات الشعب السورى..
ولعبت القاهرة دوراً ريادياً فى استضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة يوم 12 أكتوبر 2014، والذى افتتحه الرئيسان المصرى الفلسطيني، بمشاركة أكثر من (90) دولة ومنظمة دولية، من بينهم (48) وزيرا فضلا عن الأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية، حيث بلغت حجم المساهمات التى تم الإعلان عنها حوالى 5.4 مليار دولار أمريكي.
وقام وزير الخارجية بزيارة لبغداد فى يوليو 2014 وهى أول زيارة على هذا المستوى إلى العراق منذ ثورة 25 يناير، لمساعدة العراق حينئذ على تجاوز الأزمة الأمنية والسياسية الناتجة عن تمدد داعش فى بعض المناطق السنية، وما ترتب على ذلك من تعقيدات إضافية فيما يتصل بإيجاد توافق وطنى حول من يشغل رئاسة الحكومة العراقية، وقد أوضحت التحركات المصرية أهمية أن يتم إشراك جميع القوى العراقية فى العملية السياسية بغض النظر عن انتماءاتها السياسية واحتواء كافة التيارات السياسية.
وتميزت المشاركة المصرية خلال القمة العربية فى الكويت خلال يومى 25 و26 مارس 2014 بالفاعلية إذ تقدمت مصر بعدة مبادرات، حيث تم اعتماد تلك المبادرات من قبل القمة، منها سرعة تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، ومبادرة لإقرار استراتيجية عربية موحدة، فى ضوء أن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على البعد الأمنى وحده، وذلك بعناصرها الفكرية، والثقافية، والإعلامية، والتعليمية، لمواجهة نمو وانتشار الفكر المتطرف.
2015 - 2016 مصر تعود
أصبحت الحقائق واضحة ولم تعد القاهرة فى حاجة بعد عامين من الثورة لشرح موقفها، بل إن ما شهدته المنطقة من تحول دراماتيكى للاحداث فى سوريا وليبيا والعراق وتمدد تنظيم داعش الارهابى وفيضانات اللاجئين التى اغرقت أوروبا جعلت تلك العواصم تهرول وراء القيادة المصرية للاستماع لنصائحها حول الأزمة التى حذرت منها منذ البداية، وتحولت الرؤية المصرية الى اساس التحركات الدولية لحل الازمات.
ولدور أكثر فاعلية قادت الدبلوماسية المصرية حملة دولية لحشد تأييد ترشحها لعضوية مجلس الأمن الدولى غير الدائمة، والتى تكللت بالنجاح بالفوز باغلبية اعضاء الامم المتحدة، واستمرارا للنجاحات الدبلوماسية استطاعت مصر الفوز بعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقى ٢٠١٦-٢٠١٩ عن إقليم الشمال بتأييد 47 دولة من دول الاتحاد الإفريقي، وترأست مصر خلال شهر سبتمبر الماضى المجلس كما فازت مصر بمنصب مفوض البنية التحتية والطاقة بالاتحاد الإفريقى يناير الماضي .
وعملت على تحقيق التنسيق والترابط اللازم والمطلوب بين أجندة مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الإفريقى، حيث إن نحو 70% من أعمال مجلس الأمن مخصصة لتناول الأزمات التى تمر بها إفريقي. وأخذا فى الاعتبار تزامن عضوية مصر فى كل من مجلس الأمن ومجلس السلم والأمن الإفريقي، وانطلاقا من كون مصر من ضمن الدول الرائدة فى مجال تعزيز التعاون بين الجهازين الأممى والأفريقى من خلال المبادرة التى أطلقتها إبان رئاستها لمجلس السلم والأمن فى ديسمبر 2006 لإنشاء آلية التشاور بين المجلسين.
اما فيما يتعلق بسد النهضة والتعاون الثنائي مع إثيوبيا.. فقد قام الرئيس السيسي بزيارة ثنائية إلى أديس أبابا في مارس 2015، وهى الأولى على الصعيد الثنائي منذ 30 عاماً، كرس خلالها مبدأ التعاون على ارضية المصالح المشتركة دون الاضرار بالآخرين، ومن هذا المنطلق توصلت العواصم الثلاثة القاهرة والخرطوم واديس ابابا الى توقيع اتفاق المبادئ والذي تضمن تعهد الدول الثلاث بتحقيق المصالح المشتركة وعدم الإضرار بأى طرف، واحترام نتائج الدراسات الخاصة بتأثيرات سد النهضة على دول المصب، ووضع الضمانات والمسارات البديلة التي تحقق الحفاظ على مصالح مصر المائية، والاستمرار في متابعة المشروعات المائية التي تقام في دول حوض النيل على مجرى النهر، بهدف ضمان عدم المساس بحصة مصر المائية أو الإضرار بحقوقها في هذا الشأن، كما تحركت مصر على صعيد الازمة الليبية بشكل مكثف للتوصل لحل سلمى كونها دولة جوار مما يجعل من تطورات الوضع فيها عاملاً مهمًا وحيوياً بالنسبة للأمن القومى المصرى.
وكان الملف الاقتصادى عنوانا اساسيا فى كافة جولات الرئيس المصرى للخارج على مدار العامين الماضيين، حيث تم التحرك إلى جانب العمل السياسى على تهيئة الظروف المناسبة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، وذلك من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وزيادة حركة التدفق السياحى من أجل زيادة معدلات النمو وتوفير المزيد من فرص العمل.
واليوم أصبحت القاهرة قبلة للرؤساء والزعماء العرب والأجانب، فخلال نصف العام الحالى شهدت مصر توافد كبار المسئولين الذين كانوا يديرون ظهورهم لها بالامس القريب، وفى مقدمهم المستشارة الامريكية انجيلا ميركل التى زارت القاهرة فى مارس الماضى واستقبلت الرئيس السيسى فى برلين منذ ايام فى اللقاء السادس بينهما منذ توليه الرئاسة.
وكانت ألمانيا من اكثر العواصم تشددا تجاه مصر بعد ثورة الشعب المصرى، الا ان الوقت والمعلومات الحقيقية وثبات موقف القيادة السياسية كانت جميعها أسبابا كافية لتبديل الموقف الألمانى تجاه مصر، التى فتحت مع القاهرة آفاق التعاون الاقتصادى وأعلنت عن التزامها بدفع 250 مليون دولار لمصر هذا العام كمنح وقروض ميسرة، ومبلغ مماثل العام المقبل لمعاونة مصر فى جهودها التنموية وخطواتها التى وصفتها بالشجاعة لإصلاح الاقتصاد.
وكذلك الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب الذى أشاد منذ لحظاته الأولى فى البيت الابيض برؤية مصر بعد ثورة 30 يونيو، والذى فتح باب التعاون بين القاهرة وواشنطن فى أول قمة بينه وبين الرئيس المصرى، بعد ان كان قد اوصد سلفه اوباما الباب فى وجه مصر انتصارا لحلفائه الإرهابيين، كما اصبحت القاهرة حاضرة على كافة الموائد الدولية والاقليمية تتحدث بثقة عن رؤيتها فى كافة القضايا وينصت لها الكبار، وما يحدث مع قطر الآن من حصار وعزلة فى محيطها العربى والإقليمى جراء سياستها الداعمة للإرهاب فى المنطقة، هو تأكيد على صواب الرؤية المصرية بعد 30 يونيو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة