د. مجدى بدران يكتب: كيمياء اللمس والأحضان

الجمعة، 30 يونيو 2017 03:00 م
د. مجدى بدران يكتب: كيمياء اللمس والأحضان  دكتور مجدى بدران

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الجلد أكبر جهاز فى الجسم، و هو مرآة للجسد، وله دور كبير فى المناعة كخط دفاع أول  للحفاظ على التوازن بين البيئة الخارجية و الأنسجة الداخلية. يمكن للجلد أن يعكس ما نشعر به، وقد تظهر المشاكل العاطفية على الجلد، ومشاعرنا قد تؤثر على بشرتنا.  
 
أكدت الأبحاث الحديثة أن الجلد يمكنه أن يكون مرسلا للتوتر والإجهاد ومستقبلا لكيمياء  التوتر، وأن الإجهاد المزمن يمكن أن يعطل وظيفة نفاذية الجلد، وهى إحدى وظائف الجلد التى تمنع دخول المواد الضارة  الجلد،  و تمنع فقدان السوائل من الجلد، وهذا الخلل عامل رئيسي في العديد من الأمراض الجلدية . 
 
من الممكن أن يتأثر الجلد بالكثير من أمراض أعضاء بعيدة عنه . العلاقة بين الجلد والعقل لها جذور عميقة، ومن المعروف أن الجلد يتأثر بالحالة النفسية فالتوتر والاكتئاب وأغلب المشاكل النفسية تسبب تفاقم مشاكل الجلد مثل حب الشباب، و الحساسية و الأكزيما والحساسية العصبية ، و الأرتيكاريا. وفى الاتجاه المقابل، تؤثر أمراض الجلد على الحالة النفسية و المزاج , وعدم علاجها أو إهمالها يمكن أن يسبب توتر الفرد أو يزيد منه . 
 
اتفق العديد من الباحثين على أن اللمس يلعب دورا حاسما في نمو الطفل ,  و  وجد أن تدليك الرضع يزيد الوزن أسرع من الرضع غير المدلكين .  الإحتضان أعلى أنواع اللمس , يكسب الشعور بالأمان و الإحساس بالدفء , و يزيد الثقة بالنفس , و يغرس  الشعور بالإنتماء  , و يقلل من التوتر , و  يزيل القلق , و يساعد الطفل على النوم . 
الإجهاد المزمن يمكن أن يسبب  انخفاض تدفق الدم للجلد , لأن الجسم يعطى الأولوية إلى الأعضاء الأساسية باعتبارها آلية البقاء على قيد الحياة فيوفر لها دما أكثر.  بالإضافة إلى ذلك، تشمل الاستجابة للإجهاد المزمن  تضييق الأوعية الدموية لزيادة ضغط الدم وبالتالي رفع معدل ضربات القلب ، مما يقلل من تدفق الدم بشكل عام. عندما يتم تقليل تدفق الدم في الجلد  يقل الأكسيجين و تبادل المواد الغذائية و النفايات أيضا، مما يؤدي إلى شحوب وجفاف البشرة و تبقع الجلد باللون الداكن . تدليك الجلد يمكنه أن يزيد من  تدفق الدم  . 
 
هرمون الأوكسيتوسين هو هرمون الإحتضان ( العناق )  , يفرز بواسطة الفص الخلفي للغدة النخامية.تم اكتشاف الأوكسيتوسين عام 1906 ,و لم يتم اكتشاف التركيب الجزيئي له إلا فى عام 1952. الأوكسيتوسين هو الذى يدفع الانسان ليحتضن من يحب , و يساعد فى ادرار اللبن من ثدى الأم المرضع, و يجعل الجنسين أكثر رقه و وداعة معا. يساعد الأوكسيتوسين الناس علي تنمية المشاعر الودية , و العطف على الآخرين .
 
يعرف الأوكسيتوسين أحيانا بهرمون الحب لأنه ينطلق عندما يترابط الناس اجتماعيا , و يلعب دورا في  الترابط الأسرى, و الارتباط الاجتماعي و الانتماء حتى في الثدييات.يسبب الأوكسيتوسين زيادة كبيرة في الثقة بين البشر, و يساعد في تشكيل الذكريات الاجتماعية، و يقوي الارتباطات السابقة. يبرز الأوكسيتوسين المعلومات الاجتماعية فى المخ , و يساهم فى معالجة المعلومات الاجتماعية عن المحيطين بربط مناطق المشاهد و الوجوه و الأصوات و  الرائحة بمنظومة المكافأة فى المخ  التى تجعلنا نشعر بالسرور لوجودنا مع من نحب . 
 
العناق يزيد من الأوكسيتوسين , و يقلل كيمياء الغضب , و  يقلل من ضغط الدم الانقباضي في المواقف العصيبة . حرمان الأطفال من الإحتضان يترك أثارا عميقا تمتد لسنوات , و الحضن الأسرى يحسن المزاج , و يقلل التوتر , و يرفع المناعة , و يزيد من التقارب بين أفراد الأسرة .  
 
فى النساء  الأوكسيتوسين له دور  في عملية الولادة، ينطلق فى الدم استجابة لتمدد عنق الرحم أثناء الولادة فيسبب تقلصات الرحم أثناء الولادة, و يساعد على تقليص الرحم بعدها.بعد الولادة  يفيد الأوكسيتوسين فى إنتاج لبن الرضاعة , فعندما يرضع الرضيع ثدى الأم يتم تحفيز إفراز الأوكسيتوسين، والذي يؤدى بدوره  إلى إنطلاق لبن الأم ليرتشفه الرضيع . 
 
الأوكسيتوسين يفيد فى الترابط بين الأم و طفلها خاصة الرضيع فى إناث الثدييات , و كلما إرتفعت مستويات الأوكسيتوسين في الأم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، كلما زاد لديها سلوكيات الترابط مع طفلها الرضيع و الغناء له . تفاعل الأم مع الطفل يؤدي إلى زيادة مستوياته هو أيضا من الأوكسيتوسين  . 
 
يعتبر الحضن الدافئ أرخص دواء لعلاج قلق الأطفال . عند مقارنة حضن المواليد بعد الولادة مباشرة بالمواليد الذين فقدوا الحضن الدافئ للأم , نجد أن حضن الأم الدافئ للوليد يكسب مظلة من الهدوء و الطمأنينة التى تمتد سنتين. يقلل حضن الأم للرضيع  من البكاء ، و يعزز نموه و تطوره ، و يحفز الرضاعة الطبيعية في وقت مبكر، و يزيد من الرضاعة ,و يساهم فى تحقيق الاستقرارفى الرضيع في مستوى الأكسجين في الدم، و  درجة حرارة الجسم، و معدل التنفس .  
 
تدليك المواليد غير الكاملى النمو يفيد فى  زيادة هرمون للنمو خاص شبيه بهرمون الإنسولين , يعتبر الهرمون الساحر للنمو , و يقوم بمهام النمو تحت تأثير هرمون النمو المنتج من الغدة النخامية , و  يلعب دوراً هاماً فى نمو الأطفال , و زيادة القوى العضلية فى الكبار. عند نقص هذا الهرمون  من المرض أو سوء التغذية أو إختلال الهرمونات فى الجسم يصاب الطفل بالتقزم و بطء النمو . يزيد هذا الهرمون القدرة على الشفاء و النقاهة بعد العمليات والحوادث , و يزيد من نمو الخلايا خاصة خلايا العضلات و الغضاريف والعظام و الكبد و الكلى و الجلد و الرئتين , و يؤخر شيخوخة  الجلد و العضلات و العظام , و يزيد الوزن  و حركة المعدة  و كثافة العظام , و يقصر فترة البقاء فى المستشفى و تكاليف العلاج . 
 
 فى الرجال يلعب الأوكسيتوسين دورا أيضا فى إرتباط  الأب بالطفل, و عند تناول الأوكسيتوسين كعقار فى الأنف يقضى الرجال وقتا أطول فى اللعب مع أطفالهم . الأب له دور  فى عناق و لمس المولود  , و من الأهمية السماح للآباء الجدد برؤية وجوه مواليدهم و لمسهم , و الاتصال الحميم بين الأب وطفله يزيد من تحفيز مشاعر التقارب و الحماية , و يعزز علاقة التعلق بين الوالد و الطفل . 
 
 أظهرت الدراسات  السابقة أن اتصال الجلد إلى الجلد بين الأم والوليد مباشرة بعد الولادة المهبلية هو الشكل الأمثل للرعاية الصحية للرضع . قد يكون الاتصال المبكر بين جلد  المولود و جلد أمه بعد الولادة القيصرية محدودا , و فى دراسة على مجموعة من الرضع الذين تمتعوا بالتلامس الجلدى مع  أبائهم أول ساعتين بعد الولادة , لكون  الأمهات تحت تأثير البنج  , تبين أن المواليد توقفوا عن البكاء , و أصبحوا أكثر هدوءا , و خلدوا للنوم بمعدلات أسرع من الذين لم يلمسهم أحد, و كانت القدرة على المص لديهم أفضل .  بهذا , يمكن للأب تسهيل تطوير سلوك الرضيع فى هذه الفترة الهامة من حياة الرضيع حديثي الولادة، ويصبح مقدم رعاية رئيسي للرضيع أثناء فصل الأم عن  الطفل.
 
مستوى هرمون الأوكسيتوسين ينخفض فى أطفال الأوتيزم ( التوحد ) ولا يزداد فيهم مع مقارنة بالأطفال الأخرين  , و  قد أظهرت بعض الدراسات تأثير الأوكسيتوسين على أطفال الأوتيزم ( التوحد ) , و أن مناطق المخ المرتبطة بالتفاعل الاجتماعي تصبح أكثر نشاطا بعده ,  و لكن هذا يحتاج لمزيد من الدراسات .  بالرغم من أن هناك  بخاخات للأوكسيتوسين أصبحت تباع على الانترنت دون وصفة طبية لتخفيف التوتر , لا يعرف حقيقة فعاليتها، أو الآثار الجانبية، أو حتى ما إذا كانت تحتوي على الأوكسيتوسين فعلا . مما يجعلنا نفضل الأوكسيتوسين الطبيعى بتكثيف اللمس و الأحضان , كعلاج سلوكي للأطفال , و نشجع تعزيز زيادة الإحتضان الوالدين لأطفالهم , و نستثمر الأمهات ككنوز لمصادر مجانية آمنة  له .  
تعن طريق اللمس نستطيع أن ننظر للجلد كوسيلة لتوصيل رسائل للمخ و التأثير عليه و تغيير المشاعر ,و خفض التوتر وإمتصاص الغضب , و رفع مناعة الجسم . 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة