اليوم موعدنا فى دورتنا الرمضانية مع خلق رفيع القدر، يستعمله الأدباء فى المدح، وعلماء الأخلاق والنفس فى مكارم الأخلاق وسموِّ النفس، وعلماء الشرع من فقهاء ومحدِّثين فى صفات الراوى والشاهد ليوثق بكلامهما، والقاضى ليطمئنَّ إلى عدل، فتجدها فى كتب أصول الفقه فى صفات الراوي، وكذلك فى كتب الحديث، بينما تجدها فى كتب الفقه فى كلِّ باب يتعرض للعدالة بالشرح والتفصيل، كالقضاء والشهادة والوقف..
فأكثرَ العلماء، والفقهاء، والأدباء، والشعراء، من ذكرها، فتنوعت فيها الأقوال، وتعددت فيها الآراء، وتباينت فيها العبارات ألا وهى المروءة
فمن قائل قال: المروءَة ثلاثة: إكرام الرجال إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره، ومن قائل قال: المروءَة إتيان الحق، وتعاهد الضعيف، ومن قائل قال: المروءَة تقوى الله، ومن قائل قال: المروءَة إنصاف الرجل من هو دونه، والسموُّ إلى مَن هو فوقه، والجزاء بما أُتى إليه، ومن قائل قال: مروءة الرجل صدق لسانه، واحتماله عثرات جيرانه، وبذله المعروف لأهل زمانه، وكفُّه الأذى عن أباعده وجيرانه، ومن قائل قال: المروءَة أن يعتزل الرجل الريبة، فإنه إذا كان مريبًا كان ذليلًا، وأن يصلح ماله، فإنَّ من أفسد ماله لم يكن له المروءَة، ومن قائل قال: المروءَة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يُعاب منه، ومن قائل قال: المروءَة سخاوة النفس وحسن الخلق، ومن قائل قال: المروءَة العفة والحرفة، أي: يعف عمَّا حرم الله، ويحترف فيما أحل الله، ومن قائل قال: المروءَة كثرة المال والولد، ومن قائل قال: المروءَة إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت، ومن قائل قال: المروءَة حسن الحيلة فى المطالبة، ورقة الظرف فى المكاتبة، ومن قائل قال: المروءَة اللطافة فى الأمور وجودة الفطنة، ومن قائل قال: المروءَة مجانبة الريبة، فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال، فإنه لا ينبل فقير، وقيامه بحوائج أهل بيته، فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره، ومن قائل قال: المروءَة النظافة وطيب الرائحة، ومن قائل قال: المروءَة الفصاحة والسماحة، ومن قائل قال: المروءَة طلب السلامة واستعطاف الناس، ومن قائل قال: المروءَة مراعاة العهود، والوفاء بالعقود، ومن قائل قال: المروءَة التذلل للأحباب بالتملُّق، ومداراة الأعداء بالترفُّق، ومن قائل قال: المروءَة ملاحة الحركة ورقة الطبع، ومن قائل قال: المروءَة هى المفاكهة والمباسمة... إلى غير ذلك من الأقوال والآراء فى حقيقة المروءَة وحدِّها، الذى تعرف به، وفى تنوع هذه الأقوال دليل على فضل هذه السجية الكريمة، وعلو شأنها ورفعة قدرها، وبيان ما تنطوى عليه من الفضائل التى تسمو بالنفس عن منزلة البهيمية الحيوانية، إلى منزلة الإنسانية الكاملة.
وإنَّ الاختلاف فى تعريف المروءَة ليس من باب اختلاف التضاد والتباين، بل هو من باب اختلاف التنوع وتعدد الأجناس تحت الأصل الواحد، فكلُّ هذه التعاريف مندرجة تحت لواء المروءَة مستظلة بظلها الوارف، فهى تشمل كل ما ذكر من فضائل وسجايا وأخلاق كريمة، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا.
وقال الله تبارك وتعالى فى صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءَة
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ}..
ووردت كثير من الأحاديث تشير إلى بعض ما تضمنته صفة المروءة من حسن الخلق وجميل المعاشرة، والتحذير من كلِّ ما يشين الإنسان
((فعن أبى ذرٍّ رضى اللَّه عنه قال: سألت النَّبى صلى اللَّه عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمان باللَّه، وجهاد فى سبيله. قلت: فأيَّ الرِّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النَّاس من الشَّرِّ، فإنَّها صدقة تصدَّق بها على نفسك}.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لايهدى لأحسنها إلا أنت.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
صفات عظيمه
صفات عظيمه نادرا ما نجدها الآن وهذا هو سبب كوارثنا وتخلفنا