ربما تكون من ميزات الأعمال التى تعالج موضوعات أو شخصيات تاريخية أنها تفتح شهية المعلقين للمناقشة، والدخول فى مواجهات حول صحة ودقة القضايا التاريخية، ويظهر هذا أكثر مع اتساع دوائر السوشيال ميديا، حيث نجد من ينفى أو يثبت واقعة تاريخية.
فيما يتعلق بمسلسل «الجماعة 2»، ومن قبله الجزء الأول، هو هذا الكم من التعليقات والتفاعلات، دفاعًا أو هجومًا، على ما قدمه وحيد حامد حول «الوفد» وعلاقته بالقصر والملك فاروق، أو علاقة جمال عبدالناصر بالإخوان قبل الثورة وبعدها، وعلاقة عبدالناصر والضباط الأحرار مع سيد قطب، وما ورد حول زيارات عبدالناصر لسيد قطب، وعلاقاته مع عبدالرحمن السندى، قائد التنظيم الخاص.
المسلسل يقدم جمال عبدالناصر باعتباره هو القائد الفعلى لثورة 23 يوليو، ويشير إلى وجود نصائح من سيد قطب بإلغاء الأحزاب وتعطيل الدستور والقانون.
المعترضون يقولون إن ما قدمه وحيد حامد يستند إلى مصادر أحادية ضعيفة، كما أنه يقدم دورًا أكبر للجماعة فيما قبل الثورة وما بعدها، لكن وحيد حامد يكشف تردد الإخوان، وعدم إعلانهم موقفًا مؤيدًا أو حتى معارضًا للحركة، انتظارًا لنتائجها والتأكد من نجاحها.
ربما تكون الميزة هنا أن المسلسل يفتح باب النقاش، رفضًا أو تأييدًا، لكن لا يتوقع أن يتطور إلى حوار جاد حول التاريخ، مع الأخذ فى الاعتبار أن العمل الدرامى ليس تاريخًا، لكنه دراما تستخدم التاريخ.
هذا الجدل ومثله كثير مع كل عمل من هذا النوع، مثلما جرى مع «ليالى الحلمية»، وأعمال أسامة أنور عكاشة التى هاجم البعض تفاصيل بها رأوها غير مناسبة، أو مخالفة للتاريخ.
وهذا الجدل لا يصل أبدًا لنهاية، ولا يقود إلى دعوة لكتابة التاريخ بشكل أكثر اتساعًا، ليس بمعنى تاريخ موحد، لكن على الأقل توثيق الأحداث من زوايا مختلفة وشهادات متعددة.
الحادث دائمًا أننا أمام روايات متناقضة، ومبالغة فى اعتبار الشهادات الشخصية روايات تاريخية، بما تتضمنه من تناقضات وأحيانًا شطحات وعنعنات، حيث لا يمكن تصور أن تتطابق روايات وشهادات أعضاء الإخوان، وهم خصوم عبدالناصر، مع روايات يكتبها ناصريون، وهنا يأتى دور المؤرخين بما لديهم من قدرة على الحياد أو تعدد زوايا النظر.
وغالبًا ما تنتهى المناقشات حول التاريخ المعاصر إلى طرق مسدودة.. يحتفظ كل طرف بقناعاته، هذا فيما يتعلق بمن يتعاملون من منظور الانحياز، لكن الجمهور غير المنحاز لا تكون لديه نفس الانحيازات، ومن هنا تأتى أهمية تقديم التاريخ ضمن مناهج أو إصدارات بسيطة يمكن من خلالها معالجة الأحداث من زوايا متعددة، وبشكل يرفع القداسة على الأشخاص، ويضعهم فى مواقعهم الطبيعية، بعيدًا عن التهوين أو التهويل، وهو أمر لا يحدث غالبًا بسبب الغرق فى النظرة المنحازة لهذا الطرف أو ذاك، حيث لا يمكن أن تبقى المسافات بين الروايات التاريخية بمثل هذا التناقض.
طبعًا من الصعب التعامل مع عمل درامى بالقطعة، ويفترض انتظار باقى الحلقات التى تتضح فيها أكثر رؤية الكاتب وسياقات الأحداث، لكن يبقى الجدل قائمًا حول تاريخ يعتمد على حكايات شفهية لا تقوم على حد أدنى من الثوابت.