يقول الله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة، وهذه جملة قرآنية موقظة للشعور، منبهة للإحساس، باعثة للعقول للتفكر فيما تأتيه النفس من أفعال، وتوحى هذه الجملة القرآنية إلى أن الإنسان أعرف بحاله وأدرى بأفعاله.
وتحمل هذه الهدية القرآنية إشارات لطيفة، منها:
أن الإنسان إذا أخطأ أو قصر فى أمر ما ثم حاول أن يبرر أقواله وأفعاله، فإنه فى قرارة نفسه يعلم أنه على خطأ، فمهما اعتذر للناس، ومهما حاول إخفاء الأخطاء فإنه أمام نفسه مكشوف، وكأن الآية تدعو كل إنسان إلى أن يقف أمام نفسه قبل أن يقف أمام غيره فهو أعرف بنفسه من نفسه.
ومما تحمله الآية كذلك أن الإنسان ينبغى له أن ينشغل بعيوب نفسه فيقبل عليها بالإصلاح، وأن يهتم بعطب قلبه فيقبل عليه بالتغيير، وأن يعنى بسلوكه فيقدم عليه بالتهذيب، فبعض الناس ينشغلون بعيوب غيرهم ولو كانت يسيرة، فيرون القذاة فى عيون غيرهم، ولا ينتبهون إلى الجذوع فى عيونهم هم أنفسهم. والعبد المؤدب أولى بأن يبحث فى عيوب نفسه، ويكون بعيوب نفس أبصر، ولمساوئه أعرف، وعلى علاجها أحرص.
ويبدو أن الانشغال بعيوب النفس مما يشق على كثير من الناس فعله لذلك سماه الإسلام جهادا، بل الجهاد الأكبر الذى يجب على كل إنسان.
إن هذه الآية الراقية تصوب فكر بعض الناس الذين يخدعون بمدائح من يجتمعون حولهم من المادحين الكاذبين طمعا فيما عندهم، فيسوقون لهم معسول الكلام يخدرونهم به، ويمنعونهم بذلك عن رؤية عيوبهم، وعن التقدم فى سبيل علاجها، فمن عرف نفسه لم يؤثر فيه مدح مادح، ولا قدح قادح، وإنما يأخذ من ذلك بقدر ما يصوب حرجة سيره فى الحياة.
ولعل الآيةتحمل دعوة كذلك إلى أن يتحمل كل إنسان نتيجة أفعاله، ويعترف بتقصيره، والاعتراف بالخطأ والتقصير سلوك الصالحين الذى أعلنه آدم أبو البشريةمنذ زمن بعيد حين أكل من الشجرة فبادر معترفا بتقصيره وقائلا: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فلو أن كل إنسان رأى نفسه وأبصر مواضع أقدامه لما كان بيننا مغرور ولا متكبر.
نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوب أنفسنا.