انتقدت السلطات الألمانية بشدة السلوك الإيرانى تجاه قطر بعد قطع عدد كبير من الدول العربية علاقاتها مع الدوحة، وإرسال ميليشيات مسلحة لحماية قصر الأمير القطرى تميم بن حمد، معتبرة أن ذلك بمثابة "صب الزيت على النار"، وفقا لبيان الحكومة الألمانية.
ففى الوقت الذى تسعى فيه إيران لاستثمار مخرجات خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووى) التى تم إبرامها مع دول (5 + 1) وهى الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، تواجه إيران صعوبات ومعوقات فى إتمام انخراطها فى السياسة المالية العالمية والاقتصاد الدولى، خاصة مع صراعات النخب والمؤسسات حول السياسات الاقتصادية وطبيعة الانتقال من "اقتصاد المقاومة" إلى "اقتصاد الليبرالية الجديدة".
وزير الاقتصاد الألماني يلتقى الرئيس الإيراني حسن روحاني فى طهران
ما علاقة ألمانيا بسلوك إيران تجاه قطر؟
تعد ألمانيا أكبر شريك أوروبى تجارى مع إيران فى مرحلة ما بعد 15 يوليو 2015 (تاريخ عقد الاتفاق النووى) وكثيرا من اعتبرت إيران الوجهة الأكثر ملائمة لظروف السوق فى الشرق الأوسط، من منظور رأس المال الألمانى، لاسيما وأن رؤوس الأموال الألمانية حرمت من السوق الإيرانية فى السنوات الأخيرة على خلفية العقوبات الدولية الاقتصادية على طهران، وتعتبر ألمانيا السوق الإيرانية واحدة من أكثر الأسواق بكارة فى المنطقة بسبب اعتماد البلاد فى السنوات الاخيرة على الاكتفاء الذاتى وعدم استفادتها تقريبا من التطور التكنولوجى الألمانى شأنها فى ذلك شأن كثير من البلدان فى المنطقة.
وقد كان وزير الاقتصاد الألمانى سيجمار جابريال، أول مسؤول أوروبى يتوجه إلى إيران للحصول على نصيب من الصفقات التجارية مع الحكومة الإيرانية، خاصة فى مجالات الصناعات الثقيلة، وذلك يوم الأحد 19 يوليو 2015، أى بعد أربعة أيام فحسب من توقيع الاتفاق النووى فى جنيف.
معنى ذلك أن ألمانيا تؤمن بأن السرعة فى الذهاب إلى إيران والتوجه إلى بازار طهران، يمنحها فرصا أكبر من الحصول على أكبر قدر من الكعكة، وهو الاصطلاح الذى أطلقه نائب وزير النقل الإيرانى، أصغر فخرى كاشان، خلال اجتماع له أبرم مع وزير الاقتصاد المحلى لولاية سكسونيا السفلى الألمانية أولاف ليز فى العاصمة الإيرانية طهران يوم الاثنين 7 نوفمبر 2016.
وقال كاشان بالحرف الواحد: "إننا مستعدون لإعطاء ألمانيا الجزء الأكبر من الكعكة، لكن يتعين تناول الكعكة اليوم، وإلا قد يلتهم الكعكة آخرين غدا".
وزير الاقتصاد الألمانى زيجمار جابريل
ويفهم من هذا التصريح أن ألمانيا تتقدم صوب إيران قدما لكن بخطوات بطيئة محسوبة خوفا من تعرض رؤوس أموالها إلى الخسارة بسبب عدم وضوح السياسة المالية لإيران حتى الآن، وعليه تخشى ألمانيا من تعرض إيران إلى عقوبات بسبب سلوك الحرس الثورى تجاه الأزمة العربية ـ القطرية، خاصة مع التقارير التى تفيد بإرسال ميلشيات إيران لحماية قصر الأمير تميم بن حمد فى الدوحة.
وعليه تخشى الحكومة الألمانية من أن تتعرض رؤوس أموالها إلى الخسارة أو التجميد بسبب أى إجراء دولى على خلفية المغامرات الإيرانية فى الإقليم وفتح جبهة جديدة فى عاصمة خليجية.
انتقاد ألمانى لصب الزيت الإيرانى على نار قطر
أصدرت الحكومة الألمانية يوم الجمعة 9 يونيو بيانًا حادًا انتقدت فيه السلوك الإيرانى إزاء الأزمة العربية ـ القطرية، فى إشارة إلى اتهام إيران بأنها تلعب دورًا من وراء الكواليس فى الأزمة الخليجية، ودعا متحدث باسم الحكومة الألمانية طهران إلى تجنب التصعيد وصب الزيت على النار، مؤكدا أنه لا نية لبلاده للعب دور الوسيط فى الأزمة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارتن شيفر، قال فى بيان نشرته وسائل الإعلام الألمانية، إن دول الخليج تعتقد أن إيران تلعب دورًا فى النزاع من خلف الكواليس لكن يجب على طهران ألا تفعل أى شىء يزيد التوتر، مضيفًا قوله : "على أى حال من المهم عدم القيام بشىء على الجانب الآخر من الخليج لصب الزيت على النار".
المتحدث باسم وزارة الخارجية مارتن شيفر
وأشار المتحدث الحكومى إلى أن ألمانيا ستفعل ما فى وسعها لتشجيع استئناف الحوار لحل الأزمة لكن ليس لديها نية فى أن تصبح وسيطاً رئيساً رغم اجتماعات عقدها وزير الخارجية، زيجمار جابرييل، قبل يومين مع نظيره السعودى واليوم مع القطرى، وتابع : "يجب أن نتفق جميعا فى الأفعال والأقوال على أن دعم وتمويل الإرهاب لا يمكن أن يكون أداة فى سياسة أى حكومة".
وتشير تلك التصريحات إلى أن ألمانيا مدفوعة بضغط كبير من اللوبى المالى الذى يسعى بخطوات جادة للاستثمار فى إيران وإلقاء رؤوس أموال فى مشروعات على الأراضى الإيرانية، ومعنى ذلك أن رجال الأعمال الألمان يحثون من جانبه حكومتهم للضغط على إيران ومنعها من القيام بما من شأنه أن يعوق فرص الاستفادة من السوق الإيرانية البكر أو تعرض الأموال الألمانية إلى المخاطر فى المستقبل القريب.
أموال ألمانيا فى إيران
بعد ركود كبير فى حجم التبادلات التجارية الألمانية ـ الإيرانية، قفزت الصادرات الألمانية إلى إيران بواقع 15 فى المئة فى النصف الأول من العام الماضى 2016م، بموجب 1.13 مليار يورو، ووقتها رجح مايكل توسيكوس رئيس الغرفة التجارية الألمانية الإيرانية التى مقرها فى هامبورج وصول الصادرات إلى أربعة مليارات يورو خلال السنة كلها، وهو ما تم بالفعل.
وأعلنت ألمانيا استعدادها للاستثمار فى مجال التنقيب عن الغاز الإيرانى بما مقداره 180 مليار دولار، لاسيما أن إيران لديها ثانى أكبر مخزون من الغاز فى العالم وتشترك مع قطر فى أكبر حقل للغاز فى العالم وهو حقل بارس الجنوبى الذى يعرف فى الدوحة باسم "حقل الشمال"، وقد أعلنت إيران أن ستعمل على الاستثمار فى الحقل، بعد أعوام طويلة من خروج الشركات الغربية وانسحابها من الاستثمار فى هذا المجال على خلفية العقوبات الدولية.
وحتى قبل توقيع الاتفاق النووى كانت ألمانيا من الدول التى تضع عينيها على إيران بشكل أساسى وكانت "رابطة الشرق الأوسط والأدنى" فى برلين، التى تعرف اختصارا بـNUMOV، على تواصل مع المؤسسات الخاصة ذات الصلة بإيران، ففى بداية عام 2014 قام وزير الصناعة الإيرانى بصحبة وفد كبير مرافق له بزيارة إلى ألمانيا، وزار أيضا "رابطة الشرق الأوسط والأدنى" فى برلين.
قوات الحرس الثورى
وعليه يمكن القول إن ألمانيا على رأس الدول المتضررة من المغامرات التى تقوم بها مؤسسات إيرانية خارج أراضيها، خاصة مع التحرك الأخير الذى قامت به مؤسسة الحرس الثورى إذ أرسلت قوات لحماية قصر الأمير تميم بن حمد، وانخراطها المبالبغ به فى الأزمة العربية ـ القطرية، ولذلك تحاول أن تدفع فى اتجاه حل الأزمة دبلوماسيا أو على الأقل ابتعاد إيران عن المسألة خوفا من العودة إلى ما قبل توقيع الاتفاق النووى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة