فيما قبل ثورة 25 يناير، كان الإعلام الخاص أمل اليائسين من «إعلام الحكومة»، عشرات الأقلام المهنية هربت من جحيم الإعلام الحكومى إلى فضاء الإعلام الخاص، عشرات الأقلام الموهبة تألقت فى الإعلام الخاص، بعد أن أغلقت أبواب وسائل الإعلام الحكومية أبوابها فى وجوهها، بعضها اشتهر بالمهنية و«الرأى والرأى الآخر»، وبعضها انزلق فى الهجاء السياسى المفتوح على المسؤولين، ردًا على النفاق السياسى المفتوح للسلطة.
كانت وسائل الإعلام الخاصة «حالة إعلامية» جديرة بالانتباه، لذلك نجحت بعض الصحف والقنوات وفشلت أخرى، بعض وسائل الإعلام لم تجد شيئًا لتقوله فأغلقت، وبعضها وجدت شيئًا حقيقيًا لتقوله فأغلقت أيضا، باختصار، كان الإعلام الخاص أصدق تعبيرًا عن حالة مصر المضطربة، ومن الجائز أن نقول: إنه سد الجوع الشعبى للإعلام الحى، بعد أن ماتت وسائل الإعلام الحكومية، بدءًا من البيروقراطية والتكرار والملل والنفاق والمحسوبية، فكيف انحدر هذا الإعلام حتى أصبح أشبه بالبالوعة المتفجرة؟
أعتقد أن خبراء الإعلام فى المستقبل سيتوقفون كثيرًا أمام هذه الحالة الإعلامية التى وصلنا إليها، فلم يعد لدينا إعلام حقيقى، أو حتى «مزيف»، فكل ما لدينا الآن مجموعة من السبابين الهمازين المشائين بنميمة، يحاربون شباب أمة كاملة بكل ما أوتوا من قوة، لا يجفلون وهم يحرضون على القتل بالتلميح تارة، وبالتصريح تارة، لا يحتفلون بشىء بقدر احتفالهم بالتسريبات التلصصية، مرتزقة يأكلون على كل الموائد، أحدهم يسب الدين لخصمه السياسى، وآخر يطعنه فى شرفه، وآخر يخصص حلقة كاملة للإيحاءات الجنسية التى يلصقها بخصومه من الألتراس، وأحدهم يفتى بالتفريق بين الزوجين إذا ما اختلفت وجهة نظر الزوجة عن زوجها المؤيد لثورة 30 يونيو، وأحدهم يصف إعلامية «زميلة» بالغازية، بينما الآخر يصف «الغازية» الحقيقية بالسياسية، وآخر يخرج علينا كل يوم على جماهيره العريضة ليسبهم ويصفهم مرة بالغباء، ومرة بالجهل، ومرة بالعمالة، وأخرى تخصص الحلقة، لعرض تفاصيل تلبيس الجن وإخراجه، وعرض مشاهد اغتصاب الفتيات وتبريرها.
هذا هو حال «النخبة»، وهذا هو حال الإعلام، لا معلومة ولا رؤية ولا ثقافة ولا علم ولا حتى «أدب»، والإعلامى الناجح هو ذلك الإعلامى الذى يتقن السب والقذف والخوض فى الأعراض، والبرنامج الناجح هو ذلك الذى يسهم فى تغييب العقول، وتوسيع هوة الخوف من كل شىء، فكيف تحارب مصر «الإرهاب» وقد تحول إعلاميوها من تنويريين إلى إرهابيين؟! حالة كهذه كفيلة بأن تجعل الناس «كفرة» بالإعلام والإعلاميين، وبما يقدم إليهم كل يوم، والمحزن فى الأمر هو أن البديل غير متاح، فى ظل سقوط الإعلام الحكومى فى مشكلاته المزمنة، وسقوط الإعلام الأجنبى فى أغراضه الدنيئة، وهذا هو الخطر بعينه.
نشر هذا المقال فى 1 مارس 2015.. وفى الإعادة إفادة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة