لا يجب أن يستبق البعض نتائج الإجراءات التى تتخذها الجهات المعنية لمعرفة المجرمين الذين نفذوا هجوم «البرث» يوم الجمعة الماضى، وأسفر عن استشهاد وإصابة 26 فردا من أبطال القوات المسلحة يوم الجمعة الماضى، ومعرفة الجهات التى تقف وراء هذه العملية الإجرامية، ولايجب أن يستغل البعض الجريمة فيحول نفسه خبيرا ببواطن الأمور وعالما بالأسرار التى لا يعرفها أحد.
صحيح أن الغضب الشعبى متأجج، والثأر لشهدائنا الأبطال هو مطلب كل المصريين، وصحيح أن الألم يعتصرنا جميعا، لكن يبقى الخطر فى تحول الكل إلى خبراء يقدمون النصح والفتوى والإرشاد، ليس هذا فحسب بل تحولهم إلى خبراء فى العسكرية والاستراتيجية والأمن القومى، وتبلغ الملهاة قمتها حين تفتح قنوات فضائية خطوطها لتلقى الآراء حول ما حدث، وبدلا من أن نستمع إلى كلام فيه منطق، وصل الشطط بالبعض إلى طرح كلام يفتقد إلى أى مسؤولية وطنية.
وأستند فى ذلك إلى ما حدث من أحد المتصلين ببرنامج شهير على إحدى القنوات الفضائية، حيث وجه اتهاما لأبناء سيناء بالتواطؤ، واستند صاحب هذا الاتصال فى تخريفه على أن العربات التى استخدمت فى العملية وعدد الإرهابيين الذين نفذوها ساروا فى الطريق دون أى مشكلة، ولم يعوقهم أحد من أبناء سيناء.
واللافت أن هذا الرأى بما فيه من تخريف يؤدى إلى تخريب كان قد أطل على صفحات فى «الفيس بوك»، وبالرغم من أن هناك عشرات الردود التى فندته، إلا أن هذا لم يمنع وجود تعليقات سارت على نفس النهج، وزادت فى «العك» بأى كلام يبعث على الأسى.
وبالرغم من أن كلام هذا «المتصل» والذين يسيرون على دربه فى فضاء «الفيس بوك»، ينم عن جهل بطبيعة سيناء الجغرافية، إلا أن ما ذكروه ولو على سبيل الحماس الذى يعبر عن ألم مما جرى، أدى إلى تنشيط خيال البعض نحو الاعتقاد بأن الطريق الذى سار الإرهابيون فيه للوصول إلى هدفهم هو عبارة عن قرى أو تجمعات سكنية موجود على الجانبين، وأن الإرهابيين مضوا فيه باطمئنان يصل إلى احتمال أنهم كانوا يلقون تحية السلام على السكان فيرد عليهم السكان بنفس التحية، وأقول ذلك بعد أن دخلت فى نقاش مع البعض يتبنى هذا الاعتقاد، وهالنى أنهم بالفعل يتصورون أن الإرهابيين يمرون على تجمعات سكنية، بل أن هذه التجمعات قد توفر لهم الحماية، فأى عبث هذا؟.
لم يكن هذا القول أو الاعتقاد العبيط هو الوحيد الذى تسلل إلى قنوات فضائية، وعلى صفحات «فيس بوك»، وإنما كانت هناك أقوال أكثر عبطا وسذاجة وعدم مسؤولية على صفحات بـ«الفيس بوك» مثل، أن هؤلاء الشهداء كانوا فى «بنى غازى» وتم نقلهم، وأقوال أخرى ك«إخلاء سيناء من السكان» حتى يتم تنظيفها من الإرهابيين، وبالرغم من أن قصة «الإخلاء» مردود عليها قبل ذلك بأكثر من حجة، إلا أن البعض مازال يصر على تكرارها.
يقودنا ذلك إلى المطالبة بضرورة التوخى والحذر فى مثل هذه الظروف، نعم نحن نكتوى بالألم كلما وقعت عملية إرهابية، ونطالب بالثأر الذى يتناسب مع مقام مصر ومقام جيشها العظيم، ونطالب بملاحقة أى إرهابى، لكن فى نفس الوقت نطالب بالتعقل والعقل فى كل شىء، فهذا هو السبيل الوحيد الذى يقودنا إلى النصر فى معاركنا.