أصبحت أؤمن بالمقولة التى تشير إلى أن الخوف لا يجب أن يكون ممن لا يعرفون، ولكن ممن لديهم أنصاف المعرفة، فهم الخطر الحقيقى على أى مجتمع أو شعب.. كثير من الآراء التى تنشر فى وسائل الإعلام عن الأحوال الاقتصادية، ووضع الاقتصاد المصرى، هى من قبيل أنصاف المعرفة، وأصحابها ينطبق عليهم الوصف القرآنى «الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً»، فهم لا يدققون المعلومة، ولا يتعبون أنفسهم فى البحث والدراسة قبل أن يتم إطلاق كثير من الآراء اللوذعية المعتادة.. وآخر هذه الآراء التى تقوم على «أنصاف المعلومات» هى الآراء المعارضة لما قام به البنك المركزى من رفع أسعار الفائدة على الإيداعات القصيرة خلال هذا الشهر، إذ يرى هؤلاء أن ذلك من شأنه إعاقة الاستثمار، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار وغيرها.
والحقيقة أن هناك نقطة مفقودة فى هذه الآراء، وهى أنها لا تفرق بين معلومة بديهية لأى رجل اقتصاد، وهى التفرقة بين معدل الفائدة على الإقراض متوسط الأجل «5 سنوات» والإقراض العاجل.. الإقراض متوسط وطويل الأجل لم يتم رفع معدل الفائدة بشكل ذى دلالة، وخلال الفترة من نوفمبر 2016 «بدء تحرير سعر الصرف» وحتى الآن، لم يزد معدل الفائدة على هذه القروض سوى بنسبة 1%، فى الوقت الذى ارتفع سعر الفائدة الأساسى بنسبة 7% تقريباً خلال هذه الفترة، وما يهمنى كمستثمر هو معدل معدل الفائدة على الاقتراض طويل الأجل ومتوسط الأجل.. هذا هو الأهم وهو المعيار.. وعلى هذا، فإن قروض الصناعة لا يزال سعر الفائدة مثبتاً عن 7%، وقروض تمويل رأس المال العامل لا يزال مثبتاً عند 12%.. وقروض التمويل العقارى التى تبدأ من 5% لا تزال مثبتة، ولا يزال كل دين الحكومة فى أذون وسندات الخزانة مثبتاً على الأسعار السابقة بدون تغيير.
ولذلك، فإن نصف المعرفة أن تقول لقد زادت أسعار الفائدة على القروض، ومن ثم تخلط بين القروض طويلة الأجل وقصيرة الأجل.. ونصف المعرفة أن تدعى أن ذلك يؤثر على الاستثمار.. غير أن المعرفة الصحيحة أن تقول إن القروض بغرض الاستثمار لم يتأثر ولم يرتفع سعر الفائدة بالنسبة له، وما تم رفعه هو القروض القصيرة الأجل الموجههة لشراء السلع والاحتياجات الاستهلاكية..
ولأن الاقتصاد مؤشرات، فلابد أن نشير إلى مجموعة منها، فقد زاد التصدير إلى الخارج بنسبة 20% خلال هذه الشهور التسعة منذ انطلاق التعويم وحتى الأن، وزاد عدد السياح بنسبة 71%، وارتفعت المبيعات بنسبة 20 إلى 40 فى المائة.. كذلك، فإن عشرات المصانع التى كانت مغلقة قد بدأت فى الإنتاج من جديد، وبدأت فى العمل بطاقتها الكاملة بسبب تحرير سعر الصرف، وتوقف الاستيراد الكامل من الصين.
وعلى صعيد الاستثمار الأجنبى المباشر، والتدفقات المالية، فقد ارتفعت هذه الاستثمارات والتدفقات بشكل مباشر، وخلال اليومين الماضيين فقط فقد بلغ حجم التدفق الأجنبى المباشر ما يقارب 950 مليون دولار.. ومن قيمة 35 مليار دولار استثمارات مباشرة فى منطقة الشرق الأوسط، فقد حصلت مصر وحدها على 10 مليارات منها، أى ما يقرب من 28% منها.. وخلال هذا العام فقط، دخلت إلى مصر 9 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة. ولعله يكون مفاجئاً لكثيرين أن نشير إلى أن حجم الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر خلال هذا العام، ووفقاً للتقارير الدولية، قد فاق مثيله فى كثير من الدول الكبرى، ومنها السعودية، والهند، وبولندا وغيرها.
وغنى عن القول، إن زيادة الاستثمارات الأجنبية هى محصلة تكامل السياسات النقدية والاقتصادية.. ولا يوجد تنافس بينها، ولا تعارض.. الحكومة تشرع وتضع قوانين الاستثمار وتشجع عليه، والبنك المركزى يدير السياسات النقدية ويضمن استقرار سوق المال.. ولقد ثبت بالأرقام والمؤشرات التى تؤكدها تقارير عالمية صحة هذه السياسات، ونجاح هذه الإجراءات، بغض النظر عن أراء كثيرين ممن لديهم أنصاف معلومات وما أكثرهم.
ويا إعلامى مصر نقطة انتباه.. نحن فى منعطف لا يقبل إشاعة جو التشاؤم بين الناس.. وفى موقف لا يصلح منه التشكيك الدائم، والنظر باستمرار إلى نصف الكوب الفارغ.. دعونا نكن أكثر إيجابية، وأكثر عقلانية، وأكثر تفضيلاً لمصر من أى شىء آخر.