كلما تجولت فى شوارع القاهرة كلما تحسست ولمست سبب عزيمة وإرادة هذا الشعب العجيب، فالحكايات التى تسردها وشوش الناس فى الشارع تحكى ملايين قصص الكفاح والصبر وهزيمة الظروف الصعبة مهما كانت الأوضاع، ففى أحد شوارع محافظة القاهرة بالتحديد فى شارع شبرا الملقب بشارع "الجدعان" والذى يعد أحد أقدم الشوارع فى مصر الذى وقف شاهداً على ملايين من قصص الكفاح والعزيمة على مر الزمن، تحديداً أمام جامع الخازندارة الشهير بشارع شبرا يجذبك المشهد دون إرادة منك كى تذهب لتعرف حقيقة تلك الوقفة الغريبة.
رجال يرتدون زى "صعيدى" أمامهم عدة البناء متراصة بمحاذاة الجامع يتجاذبون أطراف الحديث تارة، وتارة يصمتون، وتارة أخرى يذهبون للصلاة عند كل أذان، وبعد مرور وقت طويل يأتى أحد الرجال مستقلاً سيارته، ينزل إليهم بعد حديث قصير للغاية ليحمل 5 منهم بامتعتهم وعدة الشغل ويركبون معه السيارة، دفع هذا المشهد كاميرا اليوم السابع إلى الاقتراب من هذا العالم المثير للتعرف على سر تلك الوقفة التى ينبعث منها رائحة عرق "رجالة مصر" والتى بالطبع تخفى خلفها الكثير من القصص والأسرار.
بعض العمال
يحكى عادل البدراوى أحد "البنايين تحت الطلب" ذو الأصول الصعيدية من محافظة أسيوط لليوم السابع سر تلك الوقفة أمام المسجد قائلاً "احنا بنقف هنا مستنين رزق ربنا، مش واقفين بسبب الفقر ولا العوزة، إحنا ملوك فى بلدنا وعندنا فدادين وأطيان ولكن نزلنا القاهرة عشان العمل عبادة، واختتم حديثه معنا قائلاً "احنا رجالة واتعودنا عالشغل."، أما عادل فقال إنه نزل إلى القاهرة عندما كان عمره 15 عام وعمل بتلك المهنة دون علم أهله فى الصعيد.
وقال أحد العمال ويدعى أحمد الزينى إنه بعد حصوله على شهادة الدبلوم جاء إلى القاهرة مثلما فعل أصدقائه وبدأ رحلته فى تلك المهنة التى يراها أفضل من "تحكمات" المديرين فى العمل فى المطاعم أو فى الوظيفة الحكومية قائلاً "إحنا صعايدة أهم حاجة كرامتنا وأنا ما اقبلش حد يتحكم فيا"، واستكمل حديثه قائلاَ "عندى أقف هنا طول اليوم من غير شغل لكن محدش يتحكم فيا فى أى شغلانة."
وعن تفاصيل يومهم يروى عادل أحمد أحد العمال تحت الطلب "بنصحى نفطر وننزل على باب الله شايلين عدة الشغل"، ووصف الحال بأنه "حبة فوق وحبة تحت وممكن إيراد اليوم يعيشنى شهر."
وعن الكواقف التى تحدث لهم خلال وقوفهم فى الشارع انتظاراً لـ "لقمة العيش" يقول رضا الأسيوطى لليوم السابع "فى الأول كانت الحكومة بتاخدنا القسم ومع الوقت أصبح سور الجامع بيتنا ومكان شغلنا وكل الناس عارفة إن هنا العمال بتقف وأى حد عنده شقة عايز يشطبها أو عايز يهد بيت بيجيلنا."
أدوات العمال
وروى الكثير من العمال خشيتهم من معرفة أهاليهم فى الصعيد بحقيقة عملهم فى القاهرة، حيث أن الكثيرين منهم لا يخبرون أسرهم فى الصعيد بحقيقة عملهم فى القاهرة كعمال تحت الطلب ولكنهم يكتفون بإخبارهم بعملهم فى أحد الأعمال الحرة كالمطاعم أو غيرها من أبواب الرزق.
ويرى زاهر الصعيدى أحد العمال أن هذا الأمر لا يتقبله الكثيرون فى الصعيد بسبب "كرامة" المواطن فى الصعيد، حيث يعتبر أهل الصعيد تلك المهنة "مهينة" خاصة أن معظم من يقفون طالبين الرزق فى تلك المهنة هم من أبناء العمد وأصحاب الأطيان والعزب فى الصعيد وخاصة فى محافظة أسيوط.
ويضيف أحمد راضى الذى يعد من أقدم العمال المتواجدين فى المكان "العمل عبادة وإحنا رجالة اتعودنا على الشغل والعرق، بس أهالينا فى البلد بيرفضوا دا."
تلك النفوس الصافية الراجية رزق ربها والوشوش التى عشقت إمضاء الشمس على ملامحها كل ما يتمنوه هو السعى من أجل الرزق لتربية الأولاد، ولا يرجون من المحيطين بهم أكثر من تركهم يعملون ويكسبون قوت يومهم بالعرق والجهد بدلاً من البلطجة والسرقة بحسب وصف أحدهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة