الانبا ارميا

"الصفعة الشديدة"

الجمعة، 14 يوليو 2017 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى المقالة السابقة عن أولٰئك الذين يعلمونك: كالأمناء المخلصين المحبين، والحكيم الذى يمر بك فى رحلة الحياة، أو الحكماء الذين ارتفعت كلماتهم فوق الزمن وسجلتها الأيام، وأيضًا الذين يسببون لك الحزن والألم فتتدرب وتُتقن فن تخطى عقبات المسير فى رحلة الأيام.
 
أيضًا هناك من تمر به التجارِب والآلام فى حياته وتتعلم منه، فليس بالضرورة أن يكون التعلم بالتجرِبة فقط، بل يمكن أن تشاهد حياة مجرَّبين وسلوكيات مختبَرين فتقدم لك أقوى الدُّروس وأنفعها فى حياتك؛ لذٰلك حاول أن تتعلم من كل إنسان يمر فى حياتك : أن كان إنسانًا يُسرع نحو شخص ضرير يسنُده فى طريقه فقطعًا أنت تتعلم، وحين ترى شابا يتقدم إلى امرأة عجوز ليحمل عنها ثِقْلها دون أن تطلب منه فلا شك أنك تتعلم، وحين تجد شخصًا يعضِّد صديقه وقت أزمة تجتاح حياته فأنت بالفعل تتعلم، حتى أن كان طفلاً فحتمًا تجد شيئًا ما لتتعلمه. حتى فى المقابل أيضًا : أنت تتعلم من ذٰلك الذى يدمر حياته بالسلوك فى طريق الشر! 
 
لنتعلَّم من كل ما نراه من تصرفات البشر وسلوكياتهم ونتائجها؛ أن المرء منا يجب أن يتعلم من كل إنسان يقابله؛ جميعهم يقدمون دُروسًا مهمة فى الحياة : منها ما هو صالح النتيجة جيِّدها، ومنها ما هو سيئ العاقبة ردىء الأثر، وكل منا عليه أن يختار : ماذا سيكون ؟ 
 
بعض يختبرك
نعم، هناك بشر يعبرون بحياتك لاختبارك؛ وهنا أقصد اختبار ما بك من صفات حسنة ومدى ثباتك فيها، أو إظهار ما بك من عُيوب فتغيّرها إلى فضائل. أتذكر قصة قرأتُها عن معلِّم كان يتسم بالغضب الشديد وسرعة الانفعال وهو ما يؤثر على قراراته التى يتخذها مع تلاميذه الذين كانوا يخشَون غضبه؛ وفى أحد الأيام كان المعلم مسؤولاً عن تنظيم الطابور المدرسى فأخذ يتابع تلامذته ومدى جِديتهم والتزامهم، ثم طلب منهم بحزم أن يرفعوا أيديهم اليمنى ببطاقاتهم الطلابية؛ ونفّذ الطلاب أمر معلمهم بدقة شديدة ما عدا طفلاً واحدًا : رفع بطاقته باليد اليسرى. غضِب المعلم من الطفل، وقرر أن يسلك معه بالشدة كى ما يتعلم الالتزام فبدأ يوجه الطالب بعنف شديد أن يرفع يده اليمنى، لٰكن الطالب الصغير لم يفعل ! اشتد غضب المعلم واتجه صوب الطالب مندفعًا كى يُنزل به العقاب لعدم طاعته الأمر. وما أن اقترب حتى تبين أن ذٰلك الطفل كان دون ذراعه اليُمنى!! شعر المعلم بصفعة شديدة فى أعماقه، وهاله ما كان مُقدِمًا عليه تجاه تلميذه الصغير؛ ومن ذٰلك اليوم أدرك احتياجه إلى أن يكون إنسانًا يحمل فى أعماقه مشاعر الإنسانية ومبادئها، وأنه يفتقر إلى التأنى والترفق والتريث قبل أن يُقدم على عمل يمكنه أن يدمر آخرين، ومن الجائز أن يؤدى به إلى السجن فى ندم لا ينتهي! 
 
نعم، أن فى رحلة الحياة كثيرين نلتقيهم: لكلٍّ دَور فى حياتنا علينا أن ندركه ونتعلم تأثيره. عزيزي: فلتمضِ فى طريق حياتك إنسانًا يحب، ويتعلم، ويثبُت على كل ما هو إنسانى استودعك الله إياه فى أعماقك وحياتك.
 
• الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة