استوقفنى عدد من التعليقات من أصدقاء على مقالى «بيع المرأة بحجة ملكية فى الزواج الداعشى»، الذى نشرته على صفحتى بـ«الفيس بوك» بعد أن نشرته فى هذه المساحة يوم الاثنين الماضى.
التعليقات ارتبطت مباشرة بالوثيقة التى اعتمدت عليها فى مقالى، وهى «حجة ملكية» صادرة مما سمى بـ«ديوان القضاء والمظالم» التابع للمحكمة الشرعية التابعة للموصل، وقت أن كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وهذه «الحجة» لا تتعلق بعقار أو أرض أو أموال، وإنما بامرأة يتم تزويجها، فتصبح مملوكة لزوجها.
من أهم التعليقات ما ذكره الأستاذ عبدالعزيز عاشور «المحامى» وأحد القيادات الطلابية بجامعة عين شمس فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، بأن هؤلاء «داعش» يستندون لكثير مما جاء فى كثير من كتب التراث المحفوظة والمتداولة التى يتم تدريسها وتعليمها لأبنائنا فى معاهد التعليم فى كل مكان خصوصا السعودية ومصر، ويقول: «صحيح أن ما جاء بهذه الكتب يخالف صحيح الدين الذى نهى عن السبى، إلا أن مشايخنا الكبار الذين أنفقت عليهم الدولة الفقيرة لتعليمهم يرون أنها من ثوابت الدين، ويسأل «عاشور»: «كيف نلوم على شباب غض جاهل وجد فى أقوال هؤلاء ومن سبقوهم ما يرضى نزواته، ويشبع غرائزه؟».
هذا التنبيه المهم يعقبه صرخة تحذيرية يطلق «عاشور»: «والله لو أنفقنا العمر والثروة للقضاء على هؤلاء ما أفلحنا، إلا إذا تصدينا للأفكار التى يستندون إليها، فقد تعلمنا أن الفكرة لا تقتلها الرصاصة وإنما تقتلها الفكرة»، ويزيد «عاشور» من تحذيره بقوله: «إثارة هذا الموضوع بهذا الشكل المباشر يضغط على الجرح لعل البعض منا تثور منه حميته لدينه، ويسعون لتفنيد هذا الغثاء وبيان مخالفته لدين الله».
فى التعليقات أثيرت قضايا «العبودية» و«الرق» و«السبايا» وموقف الإسلام منها، وذلك لأن الوثيقة وحسب نصوصها هى تعبير حقيقى عن أن «داعش» وغيره من التنظيمات التكفيرية يرتكبون هذه الجرائم وينسبونها إلى الإسلام بفتاوى يصدرونها، غير أن صرخة «عاشور» من خطر أفكار هؤلاء تظل هى التحدى الهائل حاليا ومستقبلا، فالفكرة لا تموت بموت أصحابها، وهى تهبط فى أوقات وتصعد فى أوقات أخرى، وكل الأفكار التكفيرية التى يتخذها الإرهابيون سندا لهم ليست جديدة علينا وإنما هى موجودة من مئات السنين فى كتب التراث، وينقل منها شيوخ يخرجون على الفضائيات، وشيوخ يعتلون المنابر، يبخون سمومهم فى أدمغة متلقين لهم العذر فى أنهم لا يعرفون أصول تلك الروايات السامة التى يتحدث بها هؤلاء الشيوخ.
وكما يبدو من تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، أن القدرة تحتشد لإنهاء اللعب بورقة داعش، وبالتالى فمن المتوقع أن تنشغل الأجهزة الأمنية بالعائدين من صفوف التنظيم إلى بلادهم حتى لا تتكرر مسألة «الأفغان العرب» وهم الذين ذهبوا من البلدان العربية إلى أفغانستان تحت دعوى الجهاد بقتال الاحتلال السوفيتى منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى، وبخروج القوات السوفيتية فى نهاية الثمانينيات عادوا إلى بلادهم ونفذوا فيها عشرات العمليات الإرهابية، وكانت مصر هى الأكثر فى ذلك، وإذا كانت الأجهزة الأمنية ستتعقب هؤلاء العائدون من داعش، فهل أعدت باقى الأجهزة نفسها لذلك؟.
فلنأخذ العبرة من الماضى، والماضى القريب يعملنا، أن المواجهة الأمنية التى احتدمت بين الأجهزة الأمنية فى مصر وبين العائدين من أفغانستان، والتى استمرت لسنوات، ثم هدأت، أثبتت الأحداث فيما بعد أن الأفكار التى استند إليها هؤلاء «العائدون» لم يتم اقتلاعها من أدمغتهم بل انتقلت إلى غيرهم، وظلت موجودة تنتظر الظرف الذى تنشط فيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة