من البداية، كنت أتوقع أن يتعرض وزير الإعلام السودانى، أحمد بلال، لهجوم شرس من بعض أقطاب الإعلام فى الخرطوم، لأنه خرج على النهج الذى يسيرون عليه فى علاقتهم مع مصر، فالرجل فى المؤتمر الصحفى، الذى عقده بالقاهرة الخميس الماضى، ومن قبله فى التصريحات التى أدلى بها فى جامعة الدول العربية بشأن قناة الجزيرة القطرية، نطق بالحق فى أمور كثيرة، لكن الحق يزعج دائما مروجى الأكاذيب والشائعات، لذلك انتفضوا جميعا ضد بلال، بل إن بعضهم وجه له تهمة الخيانة العظمى، وطالبوا بإقالته ومحاكمته، لأنه تحدث فى القاهرة بأمور لا تروق لهم.
رغم اختلافى الواضح مع سياسة حكومة الرئيس البشير تجاه مصر، لاختيارها أن تقف فى خندق واحد مع قطر فى الأزمة الأخيرة وفى أزمات كثيرة قبلها، لأسباب يعلمها الجميع، فإن ما قاله وزير إعلام الخرطوم يكشف عن تغيرات بدأت تحدث أثارها فى الخرطوم، فالرجل خرج ولو مؤقتا عن النهج السودانى الرسمى، خاصة فى توجيه أول انتقاد واضح وصريح لسياسة قناة الجزيرة القطرية، الذراع الإعلامى لنظام تميم الإرهابى، فوزير الإعلام السودانى قال نصا: «إن خط قناة الجزيرة الإعلامى الواضح هو إسقاط النظام فى مصر، وإثارة الفوضى واتهام النظام باستمرار»، مؤكداً أن هذا الأمر يمثل خطأ، خاصة أن «مصر أقدم دولة فى المنطقة العربية وتتمتع بنظام راسخ، والشعب المصرى والجيش المصرى قادران على تغيير النظام إن أرادا، من دون تدخل خارجى».
بالتأكيد هذا التصريح أزعج خدام قطر فى الخرطوم، والمسبحين بحمد تميم، والمتلقين لدعمه المالى، فانتفضوا جميعاً ضد بلال، وألقوا فى وجهه بعشرات التهم، لا لشىء، إلا لأنه تجرأ وقال كلمة حق فى وجه قناة الإرهاب والقتل والتدمير، التى يستخدمها تنظيم «الحمدين» الإرهابى فى الدوحة للترويج لسياساته الداعمة والممولة للإرهاب فى الدول العربية، هاجموا بلال حتى قبل أن يصدر عن قناة الإرهاب رد فعل، فبعضهم تطوع منتظرا أن يأتيه رد الجميل من تميم وعصابته، وبعضهم هلل للخطاب الذى وجهته القناة القطرية لحكومة الخرطوم طالبة فيه توضيح لما قاله الوزير أحمد بلال بشأنها، واعتبروا هذا الخطاب إشارة خضراء لهم بالتحرك لفتح النار على بلال، لأنه تخطى كل الخطوط الحمراء، فكيف لوزير أن يتجرأ على قناة يمولها الإرهابى تميم!
بلال فى تصريحاته بالقاهرة أيضا عبر للمرة الأولى عن مخاوف لدى الخرطوم بشأن بناء سد النهضة الإثيوبى، فالمعروف أن الخرطوم كانت تروج لسد النهضة، وكأنها هى التى تتولى بناءه، بل إن الرئيس البشير فى أكثر من مناسبة كان يعدد المزايا التى ستعود على بلاده من السد، وفند كل ما قيل بشأن عوامل الأمان التى يفتقدها السد الإثيوبى، إلى أن جاء بلال وقال إن السد جاء فى فترة حرجة كانت تعانى فيها مصر من الارتباك، وهناك 3 قضايا يجب أن تعالج، منها التخوف من التصميم وانهيار السد، والمتضرر الأول السودان، لأنه سيغرق فى البداية، وقال: «لو جرى ملء الخزان فى سنة لن تصل قطرة مياه واحدة لمصر والسودان، ولو على مدار 3 سنوات، سيكون هناك ملايين العطشى، وفى تقديرى يجب ملء الخزان خلال 7 أو 8 سنوات»، وأردف بقوله: «الأمر الثانى هو التدفقات، لأن السد مبنى فى جزء صخرى، ولن تستخدم فى الزراعة، بل الكهرباء، والسودان لا يقوم بالوساطة بل نحن فى معركة واحدة مع مصر، فى أن حصة مصر لا تنقص قطرة واحدة، والمعارك المقبلة معارك مياه وليست للبترول».
ولم يكتف بلال بذلك، بل اتخذ موقفا معاكسا لما سبق وأعلنه رئيسه قبل عدة أشهر، حينما اتهم مصر بدعم المتمردين فى السودان، إلا أن بلال أكد فى القاهرة أن الخرطوم لا تتهم مصر بتدريب متمردين سودانيين، وأن العلاقات المصرية السودانية هى علاقات مقدسة وأزلية، وستظل علاقة أبدية، وأن مصر هى قائدة العرب، ولا يمكن أن يكون العرب فى حال أفضل إلا إذا كانت مصر فى أفضل حال.
ما قاله أحمد بلال لم يكن به جديد بالنسبة لى ولأى شخص متابع للعلاقات المصرية السودانية، فمنذ فترة ونحن نكتب عن حملة الأكاذيب التى يتم الترويج لها فى بعض وسائل الإعلام السودانية ضد مصر، التى تسعى إلى توتر العلاقات الشعبية، وقلنا إن هذه الحملة هى فى الأساس مأجورة، وتقف خلفها أموال قطرية بالأساس، لكن لم يقتنع أحد فى الخرطوم بكل ذلك، بل إن البعض وجه سهامه المسمومة تجاه القاهرة، وشنوا حملة مدفوعة الأجر، وسط صمت رسمى.
ما قاله الوزير أحمد بلال، ربما يكون دافعاً لإحداث تغيير فى الإعلام السودانى، بأن يراجع الزملاء فى الخرطوم أنفسهم، ويعودوا إلى خط الصواب، ويدركوا أن العلاقة بين مصر والسودان، هى أكبر من أى شىء، أكبر من قطر وأموال تميم الحرام، خاصة أن الراصد لمسار الإعلام السودانى خلال الفترة الماضية سيكتشف أنه تبنى سياسة عدائية غير مبررة تجاه مصر، بهدف توتير العلاقات الشعبية قبل الرسمية، ورأينا كيف تغنى بعض الإعلاميين بكل الأزمات التى مرت بها القاهرة، بل إن بعضهم للأسف الشديد تملكته الشماتة وهو يكتب عن مصر، متناسيا أن البلدان كانت تحت مظلة واحدة، وتاج ملكى واحد، لكن للأسف الشديد تلاعبت الأموال بالعقول، فذهبت الأفكار البناءة أدراج الرياح، وبقيت الأفكار الهدامة والمروجون لها.
كلى أمل ويقين بأن تكون مراجعة أحمد بلال لنفسه وللواقع الذى يعيشه، بداية لمراجعات أخرى فى الخرطوم، وأن يعود الوئام مرة أخرى بين القاهرة والخرطوم، وأن يكون الإعلام عامل بناء وتنمية وليس هدما وتدميرا.
عدد الردود 0
بواسطة:
ميدووو
الرجل العاقل
عاش بلال وامثاله من المحترمين
عدد الردود 0
بواسطة:
مامون
احمد بلال يكشف الاكاذيب
الحقيقه مره