دائما ما أسأل نفسى والآخرين، ما الذى ساعد الشعب المصرى على مقاومة اليأس عبر حياتهم الطويلة، ودفعهم للاستمرار هذه القرون العديدة متحدين القهر الذى عانوا منه سنوات طويلة؟ بالطبع يملك علماء الأنثربولجيا ورجال التاريخ إجابات علمية عن الماء والأرض، والمفاهيم الدينية والرغبة فى الحياة والبيئة العامة، وغير ذلك من كلام صحيح، لكن من وجهة نظرى، فإن أهم عوامل استمرار هذا الشعب حتى الآن هو حبه للفن، ونظرة بسيطة إلى المتاحف وما تحتويه من إبداع يؤكد قولى.
ودليل آخر على قولى هو أن الشعب المصرى لم يحتمل العبث، الذى انتشر خلال السنوات القليلة الماضية فى شوارع مصر، والمتمثل فى تماثيل سيئة الصنع والشكل والمنظر، ولم يرض بالقبح الذى يراه فى المعارض الخاصة، التى كان أولها تمثال نفرتيتى فى مدخل مدينة المنيا، وكان آخرها تمثال «مارلين مونرو» للدكتور إيهاب الأسيوطى، رئيس قسم النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، الذى شارك به فى معرضه فى قاعة الباب بساحة الأوبرا.
وبمناسبة المنيا ودليل حب المصريين للفن والإشادة به، تبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعى مشروع تخرج الفنانة مى محمد، فى كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، التى استطاعت برأى الجميع أن تنشر البهجة لديهم، حيث ضم مشروعها مجموعة من أبرز فنانى الزمن الجميل منهم الفنان نجيب الريحانى، وعبدالفتاح القصرى، ومارى منيب، وزينات صدقى، وإسماعيل يس، والطفلة إكرام عزو، التى شاركت فى فيلم عائلة زيزى، والفنان رياض القصبجى الشهير بدور «الشاويش عطية»، وكذلك الفنان محمد رضا.
ليست البهجة قادمة من اختيار الشخصيات فقط، لكن من التصميمات الجميلة أيضا، حيث قدمت مى محمد مجهودا واضحا فى اصطياد التفاصيل المهمة والضرورية لكل أبطالها.
وما فعلته مى محمد حتما فعله الكثير من زملائها فى الكلية وفى كليات فنية أخرى، فطلبة فنون جميلة فى حلوان والإسكندرية لا يقلون موهبة عنها، ويتميزون مثلها بالحس الجميل، وبالرغبة القوية فى تقديم شىء مختلف ومميز، يحمل فى جوانبه قدرة على جذب العاديين من الناس الذين لم يقرأوا أكاديميات الفن والألوان.
لذا فإننا نطالب محافظة المنيا بأن تفخر بـ«مى محمد»، لأنها فى الحقيقة قدمت صورة جميلة للمحافظة وإمكاناتها الفنية بعد الحاثتين اللتين أشرنا لهما من قبل.
والأهم أننا نطالب الدولة، متمثلة فى وزارة الثقافة، بالاهتمام بهذه المواهب الجملة، وتوظيفها للاستفادة منها، فكليات الفنون الجميلة حافلة بالمواهب، مثل مى، والقادرات على صناعة طفرة، ودور الوزارة هو اختصار الحلقة بينهم وبين الجمهور، وذلك بتقديمهم والاستفادة من أعمالهم فى تطوير وتجميل شوارع مصر.
كما على الإعلام أن يتأمل ما فعلته مى محمد، فهو أكثر من كونه مشروع تخرج لطالبة فى جامعة، ففى داخله تكمن البهجة، وهى أشد ما يحتاجه الشعب المصرى وما نسعى إليه.