لقد تأثرت العلاقات الدولية بثلاثة حقائق رئيسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى حتى أحداث الحادى عشر من سبتمبر وهى: الحقيقة الأولى: الاختلال الكبير فى توازن القوة فى العالم، إذ لم يسبق لدولة منذ أيام الإمبراطورية الرومانية أن سيطرت على العالم بهذا الشكل، فالنفقات العسكرية الأمريكية فى العام 1997م تزيد على مجموع إنفاق الدول الخمس الكبرى التى تليها وعلى إنفاق الدول الثمانى التى تليها فى العام 2000 م وأخذت الميزانيات الدفاعية الأمريكية تتصاعد باستمرار، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية متقدمة بدرجات بعيدة فى المجالات الأخرى الاقتصادية والتقنية والثقافية، ولا تستطيع دولة أخرى أو مجموعة من الدول الأخرى أن تأمل حتى فى مطاولتها فى تلك المجالات خلال جيل كامل.
لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، كما يقول الباحث محمد ضياء الدين محمد فى بحثه المهم «اتجاهات العلاقات الدوليه بعد أحداث سبتمبر»، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى دولة منتصر لديها حب الانتقام، فواصلت إحكام قبضتها على السياسات الخارجية والعسكرية لأوروبا الغربية، وأضافت ثلاثاً من دول الاتحاد السوفيتى القديم إلى جدول تنظيم الأدوار فى حلف الناتو معلنة أن مزيداً من الدول ستتبعها، ولم تبد الدول الأعضاء القديمة فى حلف الناتو حماساً أو استعداداً لتحمل تكاليف توسعة الحلف، ولكنها رغم ذلك قبلت بالتوسعية الأمريكية، ولذلك أصبح بوسع الولايات المتحدة الأمريكية فى حربها ضد الإرهاب إنشاء قواعد على حدود روسيا الجنوبية وإحكام الطوق حول الصين وروسيا، وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد بأنه إذا اقتضت الضرورة فإن العمليات العسكرية ضد الإرهاب ستكون فى كل العالم، وحدد الرئيس الأمريكى بوش فى خطابه عن حالة العالم فى يناير 2002م أن العالم أصبح به دولاً شريرة تمثل محور الشر فى العالم وهى «العراق، إيران، كوريا الشمالية» وحددها كأهداف قادمة للولايات المتحدة الأمريكية وهدد بالتحرك فى أى دولة «تجبن أمام الإرهاب»، وأضاف وهو يؤكد جدية التهديد بأنه يجب ألا يكون هنالك أى شك إذا لم يتصرفوا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتصرف «اليوم أفغانستان والفلبين وغداً من يدرى»، ولم يغير الإرهاب الحقيقة الأساسية الأولى فى الساحة الدولة والعلاقات الدولية وهو الخلل الكبير فى توازن القوة فى العالم، ولذلك أدت تأثيرات أحداث سبتمبر لتعزيز القوة الأمريكية وتوسيع وجودها العسكرى فى العالم.
الحقيقة الثانية: وهى من حقائق السياسة الدولية هى وجود الأسلحة النووية ومعظمها فى ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية وانتشارها فى دول جديدة ومرة أخرى يعمل الإرهاب على تعزيز اتجاهات موجودة أصلاً، فبعد أن اتفقت الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا على تخفيض ترسانتها النووية أعلنت فى يناير 2002م أنها بدلاً عن تفكيك الرؤوس الحربية فأنها سوف تضعها فى المستودعات، ومع أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001م أظهرت أن الدفاعات الصاروخية القومية لا علاقة لها بأكثر أساليب الهجمات احتمالاً، فقد استخدمت إدارة بوش الإرهاب كغطاء للتخلص من معاهدة الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ، وبذلك لم يغير الإرهابيون الحقيقة الثانية القاسية فى السياسات الدولية، وهى أن الأسلحة النووية هى التى تحكم العلاقات العسكرية بين الدول التى تمتلكها إضافة إلى ذلك فإن السياسة الأمريكية تحفز الانتشار الرأسى للأسلحة النووية وتشجع إنتشارها من بلد لآخر نتيجة لسياساتها.
الحقيقة الثالثة: وهى من حقائق العلاقات الدولية الآن وهى إنتشار الأزمات التى تجتاح العالم وضلوع الولايات المتحدة الأمريكية فى معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر، فالأرجنتين تعيش حالة من الفوضى الإقتصادية والسياسية والشيشان ما زالت تشكل قروحاً فى الجسم السياسى الروسي، وكوريا الشمالى وكوريا الجنوبية وكلاهما سلح تسليحاً ثقيلاً وتقفان كالعادة على أهبة المواجهة، والمشكلة التايوانية تؤثر فى كل دول المنطقة وتفكك أندونيسيا وهو متوقع مما يهدد الإستقرار فى جنوب شرق آسيا، والنزاع المزمن بين الهند وباكستان حول كشمير يتفاقم بالحرب ضد الإرهاب، والشىء نفسه ينطبق على النزاع الذى لا حد له ولا نهاية بين فلسطين واسرائيل، وإذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل عسكرياً فى دول أخرى أو توجه ضربات أخرى لها فستنشأ أزمات جديدة تضاف إلى القائمة الطويلة الموجودة أصلاً، إذاً الإرهابيون لم يغيروا الحقيقة الثالثة فى العلاقات الدولية، وهى تواصل الأزمات وتراكمها، وقد أضافت الولايات المتحدة إلى السياسة الدولية أسلوب مطاردة الإرهابيين فى كل العالم والتهديد بمهاجمة الدول التى تأويهم.
إن آثار أحداث الحادى عشر من سبتمبر لم تقتصر فقط على العلاقات الدولية، ولكن تعتبر آثارها شاملة لكل المناحى على الساحة الدولية، وهذه الآثار كالآتى:
الأثر على الجانب العسكرى: إن الجوانب العسكرية فى الساحة الدولية كانت تعتمد على حل المشاكل الدولية عبر الأجهزة الدولية أو الدبلوماسية، ولكن بعد أحداث سبتمبر أصبحت الجوانب العسكرية تعتمد على مبدأ جديد وهو «الحرب الوقائية»، وأصبحت تعتمد على قاعدتين وهما، الاعتماد على الضربات المباغتة دون انتظار الأدلة المؤكدة على عدائية الطرف المستهدف، وأوضح ذلك وزير الدفاع الأمريكية رونالد رامسفيلد حين صرح لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسى فى بروكسيل فى السادس من يونيو 2002م، بأن الحلف لا يمكنه أن ينتظر الدليل الدامغ حتى يتحرك ضد المجموعات الإرهابية أو الدول التى تمتلك أسلحة كيماوية، بيولوجية، نووية. وغدا نواصل نشر حقيقة أمريكا.