شهران وبضعة أيام تفصل إقليم كردستان العراق عن المشهد الأهم، ذلك الذى يشغل الداخل وسط ترقب بالغ ويشغل الخارج كذلك مع تصاعد إعلان الرفض الدولى والإقليمى الكامل للخطوة من الأساس، فضلا عن إعلان الانفصال من عدمه، ومع احتدام الأزمات حول الأمر أجمع عدد كبير من المحليين على أن الاستفتاء ضد مصلحة جيل الشباب ولن يؤدى إلى دولة مستقلة.
ضد مصلحة الشباب
من جانبها قالت الخبيرة الدولية فى إدارة الأزمات ماريا فانتابيه، إن استفتاء الاستقلال الذى تريد سلطات كردستان العراق إجراؤه والمزمع عقده يوم 25 من سبتمبر المقبل، يضع الناخبين الأكراد، لاسيما الشباب منهم، فى موقف عسير، مشددة على أنه "ضد مصلحة جيل الشباب".
وأوضحت فانتابيه وهى محللة أولى فى برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية التابعة لمعهد كارنيجى للسلام فى الشرق الأوسط أن التصويت ضد الاستقلال هو بمثابة خيانة لنضال مستمر منذ عقود من أجل إقامة دولة كردية مستقلة، لكن فى الوقت نفسه، يعنى التصويت لصالح الاستقلال منح دعم لا جدال فيه للوضع القائم وللقادة الذين يمثلونه والذين اقترحوا إجراء الاستفتاء.
واستخلصت الخبيرة الدولية أن الموقف العسير الذى يمر به المواطن الكردى يكمن فى أن الاستفتاء تعبير عن مؤسسة سياسية ترغب فى تدعيم سلطتها، على الرغم من أنها أثبتت عدم قدرتها على تجديد نفسها، وفقا لقولها الذى نشره الموقع الرسمى لمعهد كارنيجى على الإنترنت.
وأضافت فانتابيه: "هنا قد أجرؤ على القول، حتى لو كان قولى هذا مناقضاً للحدس والمنطق، أن الاستفتاء من شأنه أن يثبط عملية الاستقلال الكردى بدلاً من تمكينها، إذ قد يتمكن الاستفتاء من تحقيق التطلعات الحقيقية لجيل أقدم من الأكراد الذين عانوا الأمرين ويريدون الآن أن يخلفوا إرثا تاريخيا".
ورأت أن هؤلاء القدامى سيتركون جيلا من الأكراد الشباب مع ميراث من الإصلاحات السياسية غير المُنجّزة، ومؤسسات ضعيفة خاضعة إلى سيطرة شبكات شخصية، وعلاقات عدائية مع الجوار، لذلك، فهم غير قادرين على بناء وتحقيق حلم الدولة المستقلة بعد الاستفتاء فى كردستان العراق.
واختتمت الخبيرة الدولية حديثها بالقول: "سواء تحول إقليم كردستان إلى دولة ذات سيادة بالكامل أم لا، يواجه جيل الألفية من الأكراد مشاكل مماثلة لنظرائه فى جميع أنحاء العالم التى تتمثل بالوعود المجردة لمؤسسة سياسية تتخبط هى نفسها فى الأزمات، وتقدم ضمانات للمستقبل فيما هى تترك الشباب يجهدون ويعانون من عيوب وقصور الجيل السابق".
لن يؤدى إلى الاستقلال
فى غضون ذلك رأى الباحث والخبير الدولى فى الشؤون الدولية، سينان أولجن، أن استفتاء الاستقلال الذى تريد سلطات كردستان العراق إجراؤه والمزمع عقده يوم 25 من سبتمبر المقبل لن يؤدى إلى إقامة دولة مستقلة، وفقا لقوله.
وأضاف أولجن، وهو باحث زائر فى مركز كارنيجى بأوروبا فى العاصمة البلجيكية بروكسل، أنه حتى لو تم إجراء الاستفتاء وأيدت النتيجة الاستقلال، لن تسمح الديناميكيات الإقليمية لحكومة إقليم كردستان بأن تمضى قدماً فى أجندتها الانفصالية حتى مستقبل منظور.
وأضاف فى حديثه الذى نشره معهد كارنيجى للسلام بالشرق الأوسط، أن العديد من القوى الإقليمية وكذلك السكان العراقيون غير الأكراد يعارضون إقامة دولة كردية مستقلة.
وتابع أن الحال نفسه كذلك بالنسبة إلى تركيا، التى تتمتع بعلاقات متينة للغاية مع قيادة حكومة إقليم كردستان، التى تسعى حثيثا لإجراء الاستفتاء فى كردستان العراق، مضيفا: "صحيح أن السياسة التركية تغيّرت بشكل ملحوظ مع الوقت، ولم يعد الاستقلال الكردى خطاً أحمر بالنسبة إلى أنقرة، لكن الصحيح أيضاً هو أن مثل هذا التطوّر يثير المزيد من اللا استقرار فى المنطقة".
واعتقد الباحث الدولى أن تركيا تشعر بالقلق إزاء وضع الأراضى المتنازع عليها فى العراق، وعلى رأسها كركوك؛ لذا السيناريو الوحيد الذى قد يحظى، على الأرجح، بدعم تركيا يتمثل فى نشوء كيان كردى مستقل يكون وليد تسوية متفاوض عليها، وأن أى مسعى آخر إلى الاستقلال سيواجه معارضة دبلوماسية تركية قوية.
بارزانى يبحث عن مجد شخصى
أما الخبير فى الشؤون الكردية، فلاديمير فان فيلجنبورج فقال أن استفتاء الاستقلال لن يفضى إلى إعلان الأكراد استقلالهم على الفور، معتقدا أن ذلك سيستغرق سنوات من المفاوضات بسبب معارضة إيران وتركيا، مؤكدا أن "بارزانى، رئيس إقليم كردستان العراق، دعا للاستفتاء حتى يقال أنه مؤسس الدولة".
وأضاف فيلجنبورج، وهو باحث دولى متخصص فى تحليل السياسات الكردية، شارحا تاريخ الأمر بقوله: "كان الرئيس الكردى مسعود بارزانى يخطط لإجراء استفتاء قبل ثلاث سنوات، لكن فى ذلك الحين هاجم تنظيم الدولة الإسلامية إقليم كردستان، ما أدى إلى تأجيله، لذا، وعلى الرغم من انتهاء ولايته فى العام 2015، برّر بارزانى احتفاظه بمنصبه الرئاسى بسبب كونه القائد العام للقوات المسلحة الكردية فى المعركة ضد الدولة الإسلامية".
وتابع قائلا من خلال رأى له نشره معهد كارنيجى، أن الغرب لم يجبر بارزانى على التنحى فى العام 2015، لأنهم كانوا بحاجة إلى الأكراد وإلى وجود حكومة فعالة لمحاربة تنظيم الدولة المعروف إعلاميا باسم تنظيم "داعش".
واستطرد قوله: "أما الآن وبعد أن تم دحر التنظيم فى الغالب بعيداً عن الخطوط الأمامية الكردية ونشر القوات العراقية مكانه، وبعد أن سيطر الأكراد على أكثر من 90 فى المئة من الأراضى المتنازع عليها فى العراق، يريد بارزانى أن يُذكر فى التاريخ على أنه الأب المؤسس لدولة كردية قبل التنحّى عن منصبه".
واختتم حديثه بقوله: "هذا لا يعنى أن الأكراد سيعلنون استقلالهم على الفور بعد الاستفتاء فى كردستان العراق، بل سيستغرق الأمر سنوات من المفاوضات بسبب معارضة إيران وتركيا، ما لم يقرر الأكراد ركوب نمر الطريق الصعب وهو أمر يبدو مستبعدا".
يأتى هذا بينما شهدت الدعوة للاستفتاء رفضا دوليا وإقليميا موسعا وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيران وتركيا رفض الدعوة للاستفتاء عن الحكومة المركزية فى العراق ويبقى أمام الدبلوماسية الكردية مهام سياسية شاقة للوصول إلى نقطة التلاقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة