د. عباس شومان

هيئة المسلم

الأربعاء، 19 يوليو 2017 10:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الأمور التى يقع الخلاف حولها بين المعاصرين، المظهر أو الهيئة الخارجية للرجل والمرأة المسلمة، وحكم الالتزام بالشكل النمطى الذى كان عليه الأوائل من النساء والرجال الذين كانوا حول الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولا سيما أن فى كتاب الله وسنة رسوله نصوصًا يُستشهد بها على ذلك. ومن الصور المتنازع عليها إعفاء اللحى وتقصير الثياب بالنسبة للرجال، والزى الخاص بالمرأة، حيث يرى بعض المعاصرين ضرورة التزام الرجال والنساء فى زماننا بالهيئات المنقولة عن سلفنا الصالح رجالًا ونساء، بينما يتوسع آخرون كثيرًا إلى درجة التفريط فيجيزون صلاة المرأة مكشوفة الشعر وكاشفة عن بعض أجزاء جسدها.
 
وبعيدًا عن هذا الإفراط والتفريط، فإن المتأمل للحكمة الواردة فى نصوص شرعنا الحنيف فيما يتعلق بالمظهر الخارجى للرجل والمرأة يراها تدور حول الاحتشام والوقار، والمخالفة ومنع الابتذال، وما يحقق هذا القدر ضرورى يجب الالتزام به، وما زاد عليه لكنه يرسخه ويناسب أعراف المجتمع وتقاليده فهو فضل، لا يضر تركه ما لم يصل إلى حد الإخلال بالقدر المطلوب شرعًا، أو يتصادم مع تقاليد الناس وأعرافهم، فإعفاء اللحى من قِبل الرجال لا يتعلق به لذاته غرض شرعى يدركه العقلاء أو تقطع به الأدلة، وإن ورد فى بعضها بصيغة الأمر كما فى قول النبى، صلى الله عليه وسلم: «أعفوا اللحى»، حيث إن فعل الأمر وإن كان الأصل فيه الوجوب إلا أنه يدل على ما يقارب عشرين غرضًا آخر كالندب والاستحباب والإرشاد والإهانة والالتماس والدعاء... إلخ، فحاشى لله أن يكون للوجوب فى قول الله تعالى: «رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ»، بل هو للدعاء.
 
ولا وجوب كذلك فى قول الله تعالى عن توثيق الدين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»، بل هو للإرشاد. وهو لإهانة المعذَّب فى قول الله تعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ». وهو غير ملزم للحاج أو المعتمر بالصيد عند تحلله فى قول الله تعالى: «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا»، وإنما هو هنا لمجرد الإعلام برفع الحظر الذى كان فى أثناء الإحرام. ولا تملك أمر مساويك حين تقول له: أعرنى سيارتك أو زوجنى أختك، بل تلتمس منه ذلك، لأن الآمر لا بد أن يكون أعلى رتبة وقدرًا من المأمور.
 
والأمر بإعفاء اللحى ارتبط بما يرجح خروجه عن المعنى الأصلى الذى هو الوجوب إلى الندب والاستحباب، وهو مخالفة اليهود، حيث كانوا يحلقون اللحى، فكان الأمر للمسلمين بإعفائها ليتميز المسلم عن غيره من اليهود الذين كانوا يعيشون مع المسلمين فى المدينة.
 
وإذا افترضنا أن الأمر بإعفاء اللحى للوجوب، فإن الأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمًا، وحيث إن أعراف اليهود وعاداتهم قد تغيرت فصاروا يطلقون اللحى أكثر من المسلمين أنفسهم، فقد زالت علة الوجوب، لأن إعفاء اللحى لم يصبح علامة مميزة للمسلم عن غيره، بل أصبح ينظر إلى اللحى فى زماننا فى كثير من الأحوال على أنها علامة على تشدد مطلقيها ومظنة لتطرفهم وعنفهم.
 
ولذا، يبقى إعفاء اللحى مظهرًا مسنونًا أو مندوبًا لثبوته عن رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وسلم، وهذا هو حكمه من وجهة نظرى ما لم يكن إطلاقها مظنة لتخوف العامة من صاحبها وتعريضه للمضايقات الأمنية ونحوها نظرًا لارتكاب بعض المجرمين جرائم نكراء، وهم على هذه الهيئة، حيث لا يوجب الشرع علينا ولا يندب فى حقنا ما يترتب عليه الضرر، وهو ما يتجلى بوضوح فى القاعدة الفقهية التى تقول: «لا ضرر ولا ضرار».
 
وأما تقصير الثياب، فإن تمسك بعض الناس به إلى درجة أنهم يحرمون التخلى عنه باعتباره مظهرًا لازمًا، هو أوهى من بيت العنكبوت، لأن أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بتقصير الثياب وعدم الإسبال كان لأمرين: الأول بيئى، وهو الاحتياط عن النجاسات التى كانت تكثر فى طرقات الناس فى زمانهم قبل تغير سلوكيات الناس فى قضاء حوائجهم بعيدًا عن الطرقات التى باتت أكثر تمهيدًا وأقل تعرضًا للنجاسات فى زماننا فى كثير من الأماكن والبلدان.
 
والثانى معنوى، وهو الخيلاء، حيث ارتبط تطويل الثياب وإسبالها فى الجاهلية وصدر الإسلام بالفخر والتباهى بالغنى الذى مكَّن الذى يرتديها من إسبالها. ولا شك أن أحوال الناس وأعرافهم قد تغيرت فى زماننا، فلم يصبح الاحتياط عن نجاسات الطرق مرتبطًا بتقصير الثياب، كما تغيرت نظرة الناس إلى طويل الثياب، فبعد ما كان يُنظر إلى طول الثياب على أنه خيلاء أصبح يُنظر إليه فى زماننا على أنه عيب فى لباس الناس متى زاد على الحد المألوف.
 
ولذا، فمن احتاج إلى تقصير الثياب لكونه يعمل أو يعيش فى أماكن تكثر فيها النجاسات كالبوادى والمجازر والبلديات، فإن التقصير يبقى مسنونًا فى حقه، أما الذى يعيش فى الحضر فالأولى فى حقه مسايرة عرف الناس فى هيئة اللباس دون اعتقاد إلزام من قِبل الشرع بتطويل أو تقصير.
 
وأما هيئة المرأة، فلم يلزمها شرعنا الحنيف بزى معين، لكنه أوجب عليها حجابًا وزيًّا يستران سائر البدن ما عدا الوجه والكفين، دون رقة فى الزى تكشف عن البدن أو ضيق يلتصق بالجسد فيظهر عن تفاصيله، ودون بهرجة لافتة.
 
ومن ثم، فكل ما يحقق هذا فهو زى شرعى مقبول، وكل ما يخل بشيء من ذلك فهو مرفوض لإخلاله بالمقصود شرعًا ومنافاته لأعراف المجتمع وتقاليده، وهو ستر المرأة والحفاظ عليها، ومنعها من الابتذال، ووقايتها من أطماع الذين فى قلوبهم مرض وضعاف النفوس.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة