مع تزايد الأنباء عن هزيمة داعش، وفى حال اقترب التنظيم من نهايته، يبدو المستقبل بعد داعش أكثر تعقيدا مما قد يبدو، فالعالم ليس أمام جيش ودولة، لكنه أمام مرتزقة تم تجميعهم من أنحاء مختلفة، وبعد أى تسوية سياسية سوف يكون على هؤلاء أن يجدوا لهم مكانا، إما بالعودة لبلادهم أو بالبحث عن فوضى أخرى يمكنهم العيش حول مستنقعاتها، والخوف أن يكرر داعش تجربة القاعدة، لكن الحال اليوم يختلف عما كان عليه مع القاعدة، حيث كانت أفغانستان مكانا مناسبا بتضاريسها الجبلية وتركيبتها العرقية. مع داعش هناك أكثر من سيناريو.
هناك مئات من مقاتلى داعش الأوروبيين يفكر بعضهم فى العودة، وهو أمر يمثل مخاوف وتهديدا لأوروبا من أن يتحول بعض أو أغلب هؤلاء إلى خلايا أو ذئاب منفردة ينفذون عمليات داخل أوروبا، لصالح ممولين أو تنظيمات، وعموما يمثل هؤلاء أزمة لبلادهم وأجهزتها الأمنية، خصوصا هؤلاء الذين لا تمتلك بلادهم عنهم معلومات، ومن غادروا إلى وجهات متفرقة قبل أن يتجمعوا فى سوريا والعراق بمعسكرات داعش أو غيرها من الجماعات المسلحة.
وتكشف العمليات التى نفذها دواعش فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن عدم توفر قواعد معلومات عن أعضاء داعش أو المقاتلين، الذين انخرطوا فى صفوف التنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق، وهناك اختلافات فى التقارير التى تحدد أعدادهم، بعض التقديرات الاستخباراتية تقدر عدد الإرهابيين العائدين إلى 12 دولة أوروبية بنحو 1500، وهناك تقديرات ترفع الأعداد إلى أكثر من خمسة آلاف، وربما أضعاف هذا الرقم، وهؤلاء ولدوا فى دول أوروبا، وليسوا مهاجرين أو مجنسين، وهو ما يجعل التعامل معهم صعبا، ومع غياب المعلومات المناسبة حولهم، والعجز عن متابعتهم أو رصد اتصالاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى، التى تمثل حتى الآن وسائل للمرور ونقل الرسائل بين شبكات بأسماء وحسابات وهمية، وهؤلاء المقاتلون مدربون على القتال والتفخيخ، لهذا طرحت فرنسا وبعض دول أوروبية مقترحات بقوانين لمكافحة الإرهاب ومنها تشريع نال تأييد المحكمة الإدارية العليا فى فرنسا، التى رفضت الاعتراضات الحقوقية، والقانون يمنح صلاحيات بمراقبة حسابات المتطرفين أو من يشتبه بهم، وأيضا بعض دور العبادة، وفى لندن هناك محاولات لرصد ومتابعة الأموال الممولة للإرهاب والجريمة، وتسعى بريطانيا لوضع بعض المراقبة على شركات ومكاتب مشتبه فى أنها تعمل فى غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفى بلجيكا، بدأت الحكومة التحرك لمواجهة «العائدون من داعش»، وأعلنت المتحدثة باسم وزير مكافحة القرصنة والفساد لوت فان دير ستوكت، أن بلادها بصدد إنشاء وكالة لمكافحة الإرهاب تعمل بالتنسيق مع موظفى الجمارك والجيش والشرطة، لمواجهة التهديدات المحتملة والإرهابيين المحتمل تسللهم إلى البلاد، فيما يقول وزير مكافحة القرصنة والفساد فى بلجيكا، فيليب دو باكر: إن بعض السفن تنقل كميات كبيرة من الأسلحة بشكل غير قانونى لصالح الإرهابيين والعصابات.
مستقبل داعش أصبح يمثل هاجسا كبيرا لأوروبا، التى بدأت تنتبه إلى أن بيض الإرهاب يفقس فى بلادهم، ولا يقتصر على دول الفوضى العربية.