عندما هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان كان التأييد العالمى ما يزال قوياً، إذ يمكن للجميع تفهم قيام دولة للدفاع عن نفسها ضد دولة أخرى منحت أراضيها لجماعة القاعدة للتدريب على أعمال الإرهاب التى أسفرت عن عمليات سبتمبر 2001م، فإلى هنا كان التصرف الأمريكى مشروعاً باعتباره دفاعاً عن النفس، ولكن عندما بدأت الإدارة الأمريكية تضع عينها على العراق الذى لم يقم بمهاجمتها بدأت فى فقدان التعاطف والتأييد العالمى دولاً وشعوبا.
ويقول الباحث محمد ضياء الدين محمد فى بحثه المهم «اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث سبتمبر»: إن مجريات السنوات التى أعقبت 11 سبتمبر 2001 م كانت كفيلة بتأكيد أن ما يجرى هو لمصلحة ترسيخ النظام العالمى الجديد الذى أعلنه جورج بوش الأب عام 1991م وجوهر هذا النظام هو تعديل عقيدة «مورنو» القائلة: «إن نصف الكرة الأرضية الغربى تابع لأمريكا» إلى مقولة «كل العالم لأمريكا»، وبشكل أبسط الهيمنة على العالم فى ظل التجاهل التام لمعايير القانون الدولى وتاريخ وتقاليد الشعوب الأخرى، بمعنى أن الاستراتيجية الأمريكية تأثرت بأحداث 11 سبتمبر، وأصبح هذا التأثير والتحول فى الاستراتيجية الأمريكية كالآتى:
أولاً: التحكم فى احتياطات النفط العالمية ليس لأن أمريكا تستورد ما يفوق إمكانيات إنتاجها من النفط فقط، وإنما أيضاً لإعاقة وصول القوى الجيوسياسية المنافسة إلى هذه الموارد وخصوصاً الصين.
ثانيا: حرب البلقان من أجل تشكيل شبكة من الدويلات القزمية لضمان مصير الممر البلغارى - الألبانى لخطوط أنابيب نقل النفط.
ثالثا: الحرب على العراق والخطط العسكرية بشأن إيران والخليج بهدف وضع اليد مباشرة على مخزون النفط العالمى الأساسى والتحكم فى منافذ واتجاهات تصديره وحرب لبنان كانت المدخل.
لقد أصبحت للولايات المتحدة بعد هذه الأحداث تمتلك القدرة الكبيرة والمطلقة على إنفاذ تصوراتها وتحويلها إلى واقع معاصر على الصعيد الدولى، وذلك لامتلاك الولايات المتحدة تصور استراتيجى متكامل لمستقبل النظام الدولى وعدم امتلاك الآخرين لتصور بديل واتفاقهم مع كثير من عناصر ذلك التصور.
اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر:
إن السياسة الأمريكية تقوم على مبدأ أساسى وهو الحفاظ على بقاء أمريكا القطب المهيمن على السياسة والاقتصاد العالميين، فقد تم وضع تقرير استراتيجية أمريكية طويلة المدى فى العام 1996م حددت التوجهات السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة فى القرن الحادى والعشرين والمتمثلة فى الدعم المطلق لإسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية وإزاحة النظام العراقى من السلطة كهدف أساسى لهذه الاستراتيجية وصولاً إلى ضرب إيران وسورية واحتواء سائر الأنظمة العربية وإعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط بما يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية.
مع مجىء الرئيس بوش الإبن إلى السلطة فى 20 يناير 2001م وغلبة اتجاه اليمين المتشدد على السياسة الأمريكية وزيادة ثقة الولايات المتحدة الأمريكية فى إمكانياتها الذاتية وتصاعد اقتناعها بقدراتها العسكرية على التحرك المنفرد لفرض سياساتها وتحقيق مصالحها الخاصة على الساحة الدولية وخضوع سياستها الخارجية لمتطلبات سياستها الداخلية واستجابة لدواعى الانتخابات، سواء الكونجرس أو الرئاسة، الأمر الذى استوجب الانصياع لشروط الشراكة بين اليمين المحافظ الأمريكية وجماعات الضغط الصهيونية على اعتبارهما أهم تكتل بين القوى الانتخابية الداخلية وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية، وجاءت أحداث 11 سبتمبر2001م التى تم استغلالها من قبل الإدارة الأمريكية بذكاء كبير، فعملت على كسب العالم إلى جانبها لتغطية حروبها الوحشية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، وارتكزت فى هذه الحرب على المبادئ الآتية:
1 - إظهار أمريكا أنها لا تريد الحرب، ولكن الآخرين هم الذين يضطرونها إلى ذلك، ولذلك فهى فى حالة دفاع شرعى عن النفس.
2 - شخصنة العدو، فالآخر أو العدو شخص كاذب ومريض وكاره لشعبه ومن ثم يجب التخلص منه وإنقاذ العالم من شروره وهذا ما تمثله حالة الرئيس العراقى صدام حسين حسب قولهم.
3 - إبراز الدوافع الإنسانية للتدخل الأمريكية وتجاهل الأسباب الحقيقية للتدخل التى غالباً ما تكون اقتصادية بالأساس.
ظهرت التوجهات الأمريكية بوضوح فى خطاب «حالة الاتحاد» الذى ألقاه الرئيس الأمريكى فى 29 يناير 2002م ألمح لدول محور الشر وأصدر بعدها وثيقة الأمن القومى الأمريكى فى سبتمبر 2002م تحت عنوان «استراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية» التى أدخلت مبدأ الضربة العسكرية الاستباقية فى العقيدة الدفاعية الأمريكية، ووفقاً لها فرضت الولايات المتحدة على العالم خيارين جديدين، فمن ناحية تحتفظ الولايات المتحدة بحق الدفاع الشرعى الوقائى الذى بمقتضاه تجتهد الولايات المتحدة على الدوام فى التصرف بشكل فردى ووقائى للحيلولة دون وقع أية أعمال إرهابية تستهدف الشعب الأمريكى، ومن ناحية أخرى تدعم الولايات المتحدة المجتمع الدولى فى حال التعرض لأى نوع من هذا التهديد الإرهابى، ونواصل فى الحلقات المقبلة كشف المستور فى علاقة أمريكا بالعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة