من نسل المتفوقين بجدارة يكتب الطالب عبدالراضى علام حسن عبدالراضى قصته فى الثانوية العامة بحصوله على %99.76، وبالرغم من هذا المجموع لم يكن فى ترتيب الأوائل، غير أن هذا لا يمنع أننا أمام حالة تفوق مبهرة تؤكد القول الذى ذكرته فى مقالى أمس للعلامة الدكتور محمود الطناحى: «لولا الفقراء لضاع العلم».
«عبدالراضى» طالب من أسرة فقيرة المال، لكنها رفعت رأسها إلى عنان السماء بتفوقه الذى جعلها غنية، خاض عبدالراضى معركة تفوقه من قلب المعاناة التى عاشها منذ صغره، هو ابن «نجع الجزيرة» التابعة لقرية «العتمانية» مركز «البدارى» محافظة أسيوط، وفى المدرسة الثانوية المشتركة بـ«العتمانية» قضى ثلاث سنوات دراسية لم يحصل فيها على درس خصوصى واحد حسب تأكيده، وتلك مسألة قد نجدها عادية مع المتفوقين، لكن الاستثناء الذى نجده عند «عبدالراضى»، هو ما يتحدث عنه بصراحة عن ظروفه أسرته المادية ومعاناتها، فالوالد فلاح بسيط يعمل فى أرض الغير، وأصيب بمرض الفشل الكلوى منذ عامين، الأمر الذى يعنى احتياجه لغسيل بشكل منتظم.
حصل «عبدالراضى» على مجموعه بعد أن أدى امتحان الجيولوجيا فقط هذا العام، وحصل فيها على الدرجة النهائية كباقى المواد باستثناء مادة الفرنساوى التى فقد فيها درجة واحدة فقط، وقصة تأجيله لمادة الجيولوجيا من العام الماضى إلى العام الجارى أفقدته عاما دراسيا من عمره، لكن حين نعرف سبب التأجيل بما فيه من دراما إنسانية، سنتأكد أننا أمام شخص مسؤول وإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فحسب ما ذكره للزميلة «الوطن» فى عددها يوم الأحد الماضى: «ما دفعنى إلى تأجيل مادة الجيولوجيا العام الماضى ظروف مرض والدى، فكان نفس يوم الامتحان هو نفس موعد جلسة الغسيل».
ولأن عبدالراضى هو الذى يصطحب والده إلى المستشفى، طلب منه الوالد أن يؤجل موعد جلسة الغسيل ليذهب إلى الامتحان، لكن الابن رفض وقرر تأجيل المادة إلى العام المقبل، مفضلا بهذا التصرف الحفاظ على صحة الأب حتى لو كان الثمن هو تأخره عاما دراسيا.
ظهرت نتيجة العام الماضى وحصل عبدالراضى فيها على الدرجات النهائية فى كل المواد باستثناء مادة اللغة الفرنسية التى فقد فيها درجة واحدة، وتأجلت فرحته حتى العام الجارى ومعها عرف الناس أن بطلها شخص فريد فى نبوغه العلمى والإنسانى.
«عبدالراضى» لم يخجل من القول: «أنا نفسى أدخل طب بس خايف من المصاريف لأن ظروفنا متسمحش»، وبالرغم من أن محافظ أسيوط المهندس ياسر الدسوقى أعلن تكفل المحافظة بتحمل مصاريف دراسته فى كلية الطب، إلا أن اعتراف عبدالراضى هو فى حقيقته صرخة فى وجه أطراف كثيرة، صرخة فى وجه الذين يهاجمون مجانية التعليم بفذلكة وجهل وحقد، وصرخة فى وجه نظام اقتصادى واجتماعى فاشل لا يؤدى إلى حصول الأب المريض على علاجه بحق وإباء وكرامة، ويؤدى إلى تكبد الأبناء لمعاناة يدفعون بسببها الثمن كما رأينا مع عبدالراضى الذى فقد سنة دراسية، أما الصرخة الأخيرة فهى موجهة إلى الجامعات المصرية ووزارة التعليم العالى، فكيف لا يتوفر بما فيه الكفاية منحا دراسية لنماذج «عبدالراضى» وحسنا فعل الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة بتقديم منحا لهذا الطالب.
فى هذه القصة يذكر الأب الفقير كلمات عميقة ومعبرة: «دعائى له ورضاى عليه، وربنا بيقف مع الفقير، كنت مريض من سنتين وهواللى شايلنى، كل ما أتعب يشيلنى ويودينى للدكتور»، شفا لله الأب وحفظ الابن.