من المؤكد أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر، كانت القشة التى قصمت ظهر البعير فى العلاقات العربية مع الغرب، خاصة دول أعمدة النظام الإقليمى العربى، فرغم أنها قد أيدت الولايات المتحدة فى حربها ضد الإرهاب، وأدانت أحداث سبتمبر، ولكن سيطرة التيار المحافظ المتطرف أيديولوجيا واللوبى الصهيونى على الإدارة الأمريكية والتحكم فى القضايا الاستراتيجية الأمريكية والسياسة الخارجية، من خلال وزارة الدفاع ومجلس سياسة الدفاع، الذى تشكل فى أغسطس 2001 ليقدم تصوراته الاستراتيجية، وتولى التخطيط الاستراتيجى الأمريكى والدولى وقضايا أسلحة الدمار الشامل، وكل هذه التحركات الأمريكية أدت لإضعاف دور العرب فى هذه الحرب ضد الإرهاب، وذلك لاتهام الولايات المتحدة للأنظمة العربية فى سوريا والعراق والسودان بدعم الحركات الإرهابية، فقد أفرزت أحداث سبتمبر حالة من الاصطفاف خلف مواقف الولايات المتحدة، باعتبارها القطب الأوحد والأقوى ومارست الدول الغربية بالإضافة للولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على الأنظمة السياسية العربية لتفكيك الحركات الإرهابية وحصارها والقضاء عليها، فتم الضغط على العراق حتى قيام الحرب عليه، بالرغم من عدم موافقة مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكى بقيام تحالف ضد العراق، باعتباره يسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، بل أكد كولن باول أن العراق يمتلك هذه الأسلحة، مما يهدد المصالح الأمريكية والغربية فى الشرق الأوسط.
الاتجاه الثالث ويعرف بمسار العزلة الأمريكية على الساحة الدولية، إثر انحسار موجة التعاطف العارم معها بعد الحدث، فالتحالف الدولى ضد الإرهاب أصبح هشا ولم يعد بإمكانه تأمين الوقوف الآلى مع الوحش الأمريكى المنفلت من كل قيود وضوابط، أما الوضع الدولى العام، فيشهد انبثاق نمط جديد من التعددية القطبية بدأت معالمه تبدو فى ظهور قوى دولية متنامية، وإن كان لا يقر تماما هذه التوجهات، وتؤيد المدرسة العربية فى العلاقات الدولة هذا الاتجاه، حيث تحدث عنها الدكتور هانى يحيى نصرى، الذى يرى أن أحداث سبتمبر بها مبشرات نهاية الهيمنة الأمريكية ومظهراً بارزاً لضعف وهشاشة القوة المتحكمة فى العالم وبداية أفول هذه القوة، وهذا الاتجاه الأخير يشير إلى أن أحداث سبتمبر لم تكن بداية حقبة جديدة ولا هى قطيعة مع نظام دولى مندثر، وإنما هى مظهر درامتيكى لأزمات ثلاث يعانى منها الوضع الدولى فى مستويات ثلاثة وثيقة الترابط هى: العلاقات الدولية، ديناميكية العولمة، الأرضية الثقافية.
إن التعامل الأمريكى مع هذه الأحداث كان له أثر كبير فى تراجع النموذج الأمريكى الأخلاقى ومحور القوة الناعمة الأمريكية وإحدى أدواتها فى كسب قلب وعقول شعوب العالم، فمع انتهاك الولايات المتحدة حقوق الإنسان والتعذيب أصبح النموذج الأخلاقى الأمريكى محل تساؤل ونقد، مما أضعف من تأثير القوة الأمريكية الناعمة، التى كانت تحقق النتائج المرجوة سابقاً، ولذلك فقد أنتجت اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر نتائج واضحة على الولايات المتحدة والعالم، وتتمثل هذه النتائج فى النقاط التالية:
أولاً: خرق النظرية الأمنية العالمية الأمريكية بانفتاح أمريكا على العالم كانت أهم فكرة يقوم عليها الأمن القومى الأمريكى، وإبعاد أى فعل عنيف عن القارة الأمريكية، ولأنها تعرف حالة العداء التى صنعتها سياساتها، فقد كانت توجد نقاط توتر عالمية لكن بشرط أن تكون بعيدة عنها، فمن أراد محاربة الولايات المتحدة عليه محاربة مندوبيها، وقد اعتمدت النظرية الأمنية العالمية الأمريكية على أساس السيطرة الأمنية الكاملة للأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، ووجود أذرع لها فى كل مكان، وأن أمن العالم هو أمن للولايات المتحدة، ولكن كسرت أحداث 11 سبتمبر هذا الأمر بنقل المعركة إلى عمق أراضى الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: زعزعت الثقة بالاقتصاد العالمى، فتأثر الاقتصاد الأمريكى بهذه الأحداث نتيجة لتزايد النفقات العسكرية الأمريكية، وتأثر اقتصاديات العالم عموماً، وذلك لارتباطها الوثيق بالاقتصاد الأمريكى.
ثالثا: حدة ردة الفعل الأمريكى وخرق القيم والمبادئ الإنسانية والمواثيق والمعاهدات الدولية، وضربت أمريكا عرض الحائط بدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لسن الكثير من القوانين الأمريكية تتنافى مع المفاهيم الليبرالية الأمريكية مثل سن قوانين تتيح الحق فى التجسس على المراسلات الإلكترونية دون إذن قضائى، وذلك فى حالات الطوارئ مع أن مفهوم الطوارئ مفهوم فضفاض، يمكن أن تفسره أجهزة الأمن كما تريد، بالإضافة إلى ذلك تسهيل الحصول على إذن للتصنت على المكالمات الهاتفية، فيما يعرف بـ«التصنت المتحرك»، وهذا ما يتنافى مع القيم التى ترفعها الولايات المتحدة مثل حرية التعبير وغيرها من المفاهيم الأمريكية، بالإضافة لظهور حالات التمييز فى المطارات وأماكن العمل والمدارس ضد المسلمين والعرب.
إن من أهم نتائج أحداث 11 سبتمبر، سقوط مبدأ عدم التدخل فى شؤون الدول، فقد انفتح الباب لشتى أنواع التدخل فى شؤون الدول الأخرى، تحت مختلف الدعاوى، ويمثل قمة تلاشى السيادة الوطنية فى غزو أفغانستان والعراق، فقد لجأت الولايات المتحدة إلى قوتها الذاتية، ولم تلجأ للأمم المتحدة للمطالبة بتسليم المشتبه بهم فى أحداث 11 سبتمبر، فجتاحت أفغانستان والعراق وأسقطت الأنظمة السياسية فيها دون وجود أى مسوغ دولى، وبذلك قد ذهب مبدأ السيادة.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة