حرية العقيدة لكل الأديان حق دستورى وقانونى، أقرته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما أن الاحتلال لا يُعطى المحتل الحق المطلق فى أن يفعل ما يريد وأن يحقق ما يشاء على الشعب المحتل، فمعاهدة جنيف الرابعة حددت مسؤولية المحتل على حفظ حق الحياة، وحق ممارسة العقيدة، بل عدم تغيير جغرافية الأراضى المحتلة.
ولكن الاستعمار الاستيطانى العنصرى الصهيونى، وهو آخر شكل من أشكال هذه النوعية من الاستعمار ، لا يزال جاثمًا على صدر الفلسطينيين بل والعرب أجمعين.
يفعل ما يريد ويغير كيفما شاء، يغتصب الأراضى ويقتل البشر ويسحق الزرع ويجفف الدرع ويقتنص الأراضى الفلسطينية بإقامة مستوطناته التى غيرت من طبيعة الأرض وقزمت الدولة الفلسطينية تناقضًا وإسقاطًا لقرار التقسيم.
وأخيرًا نجد الدولة الصهيونية تحرم المسلمين فى فلسطين من دخول المسجد الأقصى، وتحرمهم من إقامة الصلاة فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ احتلال الأرض والعرض عام 1948، فقد أصبحت الصلاة رهنًا بالإرادة الصهيونية وببوابات إلكترونية وشاشات رادارية.
أى أن الصلاة فى الأقصى للفلسطينيين أصبحت بإذن من المستعمر العنصرى البغيض، ما أحدث مصادمات عنيفة بين الصهاينة وبين الفلسطينيين، الذين يريدون ممارسة شعائرهم وحقهم فى العبادة، فى أهم وأقدس الأماكن الإسلامية، وهو المسجد الأقصى، الذى يمثل للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حتى وقع عدد من الشهداء ومئات المصابين نتيجة للاعتداءات الإسرائيلية بالرصاص المطاطى، وللأسف وكالعادة نجد ونرى أن الجميع لا يدرون ما يفعلون غير الشجب والاستنكار ، الذى لم نر له بديلًا.. فلماذا هذا الاستقواء، وذلك الاستئساد والاستبداد الإسرائيلى؟
لا شك أن إسرائيل هى الأداة الاستعمارية فى المنطقة العربية، التى تقوم بدورها خير قيام لصالح هذا الاستعمار، سواء كان الاستعمار البريطانى، الذى أعطى لهم وعد بلفور 1917 أو الاستعمار الأمريكى وريث البريطانى فى صورته الاستعمارية المعدلة، فإسرائيل هى خط القسمة، الذى يفصل المشرق العربى عن مغربه.
والأهم أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية ليست قائمة على أن إسرائيل هى الأداة الاستعمارية فى المنطقة فقط، بل هناك علاقة ذات أرضية دينية، الآن، بين إسرائيل وأمريكا تأسست منذ وصول البريطانيين «المطهرين» إلى أمريكا، وهم بروتستانت يؤمنون بنصوص العهد القديم التى تعتبر أن اليهود شعب الله المختار، وأن فلسطين هى أرض الميعاد التى وعد بها الله اليهود .
كما أنهم يؤمنون بما يسمى بالحكم الألفى، الذى يشترط عدم مجىء المسيح ليحكم الأرض ألف عام إلا بعد إعادة بناء هيكل سليمان مرة أخرى.. حيث إن اليهود ينتظرون تحقيق نبوءة جاءت فى العهد القديم ربطت بين إعادة بناء الهيكل وعودة المسيح مرة أخرى.
كما أنهم يؤمنون أن مكان الهيكل هو المسجد الأقصى الآن، ولذا يلزم هدم هذا المسجد حتى يتم بناء الهيكل، ولذلك تم الاختراق الصهيونى للمسيحيين فى أمريكا وبعض دول أوروبا تحت هذه الكذبة التوراتية التى لا تؤمن بها الكنائس التقليدية، وهى الأرثوذكسية والكاثوليكية وبعض البروتستانت، الذين لا يؤمنون بالحكم الألفى.
والاختراق يعتمد على هذه النصوص، التى تدغدغ مشاعر المسيحيين بعودة المسيح حتى يتعاطفوا سياسيًا مع الدولة الصهيونية ويساعدوها فى بناء الهيكل على أنقاض الأقصى حتى يأتى المسيح.
وهنا وجد اليمين المسيحى الأمريكى المتطرف، منذ عهد ريجان، هذه الكذبة طريقًا سياسيًا لتأكيد العلاقة السياسية والاقتصادية بين إسرائيل وأمريكا وعلى أرضية دينية، وبناءً على هذه الفكرة واستغلالًا لها كانت نظرية صراع الحضارات، التى تقول إن الصراع بين الدول ليس صراعًا سياسيًا، بل صراع دينى وثقافى، فقسمت النظرية العالم إلى معسكرين، الأول المعسكر الغربى، الذى يضم المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت مع اليهود فى مواجهة الثانى، الذى يضم المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس الشرقيين، وبالطبع كان ولايزال هدف هذه النظرية هو أن يكون القرن الحالى هو القرن الأمريكى بكل الوسائل، ولذا تم ويتم استغلال نظرية صراع الحضارات، ويتم مساعدة إسرائيل للقيام بدورها فى تقسيم وتفتيت المنطقة على أسس طائفية لصالح الدولة الصهيونية من خلال إثارة النزاعات والصراعات الطائفية فى المنطقة بين السنة والشيعة، ولذلك نرى هذه التحرشات ضد الأقصى.
نرى هذه الحفريات تحت الأقصى بهدف هدمه لكى تتحقق الكذبة التوراتية، التى اعتمدت عليها الصهيونية منذ مؤتمرها فى بازل بسويسرا عام 1897.. فما العمل؟ هل نترك الأقصى لكى يهدم؟ هل نترك مصيرنا العربى فى يد بنى إسرائيل، الذين خلفوا الوعد وخانوا العهد؟ هل نترك الصراع العربى يتصاعد لصالح هؤلاء؟
هل يصح فى مثل هذه الظروف أن نرى من يتسابق لنوال البركة الإسرائيلية ويقيم علاقاته المخفية والمعلنة وفى الوقت نفسه يكذب ويتاجر بالقضية الفلسطينية؟ هل مواجهة هذا الموقف تتم بهذا التفتت، وذاك الصراع الفلسطينى الفلسطينى؟ وهل مازالت القضية هى قضية العرب والمسلمين المركزية؟!
للأسف نحن من يحقق مؤامرات العدو ونحن من يساعد على التشرذم والتفتت، وهذا لا ولن يكون فى غير صالح العدو، الذى يقوى ويستبد ويسيطر.. يقول أدونيس عن العروبة، التى تناجى نفسها: «يستيقظون سرًا ليطوفوا المدن العربية ليتحدثوا مع أبراجها ونوافذها ومع طرقها وآفاقها، ثم يغلبهم البكاء ويعودوا صامتين إلى قبورهم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة