فى بداية هذا العام كانت جزيرة بورتوريكو، وهى إقليم من الجزر تابع للولايات المتحدة، لا تزال تعانى من وباء زيكا الشهير، الذى انتشر بشكل غريب فى هذه المنطقة وفى أمريكا اللاتينية بشكل كبير، وأثار الفزع وترك أثرا كبيرا على اقتصاد الأماكن التى أصابها، وحاليا وبعد شهور قليلة، أصبحت الجزيرة مقصد السياحة العالمية، فكيف حدث ذلك؟
نعرف جميعا أن الفن والثقافة يقدمان المتعة دائما والفائدة أحيانا، وعادة ما تكون هذه الفائدة معرفية واستكشافية، لكن فى ظل الانتشار التكنولوجى الرهيب الذى صار يفرض كلمته على الجميع، أصبح من المؤكد للثقافة والفن أن يقدما لنا أيضا مساهمات اقتصادية كبرى، وخير نموذج على ذلك، مؤخرا هو الأغنية الإسبانية الشهيرة Despacito، التى تعتبر الأكثر مشاهدة عبر التاريخ، حيث تؤكد المؤشرات أنها ضاعفت الاهتمام بجزيرة بورتوريكو بشكل كبير.
والمتابعون لعالم الفن يعرفون أن الأغنية حققت نجاحاً سريعا، لكن النجاح الكبير جاء بعدما أعيد توزيع الأغنية فى نسخة إنجليزية بمشاركة جاستن بيبر، ومن بعدها حدثت المعجزة لدرجة أن الذين شاهدوا الأغنية حتى الآن تجاوزوا الـ 2 مليار شخص، ومن بعدها بدأت المفاجآت وجميعها لصالح الجزيرة، حيث أعلن موقع هوتيلز، الذى يوفر خدمة حجز غرف الفنادق حول العالم عبر الإنترنت، أنَّ عمليات البحث عن السفر إلى جزيرة بورتوريكو قد حققت قفزة هائلة خلال الشهرين اللذين أعقبا صدور النسخة المعدلة من الأغنية، ووصلت نسبة الزيادة إلى %45 مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضى، كذلك أكد موقع كاياك الأمريكى لحجوزات الطيران والسفر، أن عمليات البحث عن الرحلات الجوية زادت بنسبة %25 خلال الشهرين التاليين لظهور النسخة المعدلة من الأغنية.
وهذه الأرقام تجعلنا نطرح السؤال الضرورى: هل يحدث ذلك فى مصر؟ وهل يقوم الفن بدوره فى تقديم صورة إيجابية جمالية لمجتمعنا؟ ولماذا يذهب البعض لتصوير أغنياتهم فى أوروبا وأمريكا، ويتركون كل الجمال والتاريخ والتراث الذى منحه الله لنا؟
وحتى نكون منصفين لأنفسنا ولا نظلمها كل الظلم، نقول: إن ذلك يحدث أحيانا فى مصر، لكن ما ينقصنا أننا لا نفعل ذلك بوعى كامل، ولا نركز على المواقع السياحية لدينا وما أكثرها، مع أنه كانت لنا تجربة رائدة فى العام الماضى مع مسلسل «جراند أوتيل»، الذى جرى تصويره فى مدينة الأقصر، حيث تبين بعدها زيادة التوافد على المدينة التاريخية تأثرا بالمسلسل، كما أن وزارة الآثار كانت منذ شهور قليلة قد قدمت نوعا من التساهل فى أسعار التصوير داخل المناطق الأثرية.
يحتاج الأمر إلىمبادرة تتبناها مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى تقوم على الدعوة بالتركيز على ما نملكه من مناطق سياحية وتقديمها فى الأعمال الفنية وحتى الكتابية مثل الروايات، وحتما سوف ينعكس ذلك بشكل إيجابى على الاقتصاد المصرى.