وجود الشاب الرائع ياسين الزغبى، وسط حضور المؤتمر الوطنى الرائع للشباب بالإسكندرية، هو أقوى رسالة يمكن أن تخرج بها من المؤتمر، رسالة تحمل الكثير من المعانى، أهمها أن من يملك الإرادة قادر على تحدى كل الظروف والتحديات، مهما كانت المصاعب التى يواجهها، فالإعاقة ليس فى الجسد، وإنما فى العقل والتفكير، فمن يريد العمل لن يمنعه أحد ولا أى شىء مادام قد امتلك إرادة العمل.
ياسين شاب لم تمنعه الإعاقة الجسدية من أن يجوب خمس محافظات ليجمع مشاكل شبابها وعرضها على مؤتمر الإسكندرية، فعل ذلك لأنه يؤمن بأن له دور فى بناء الوطن عليه أن يؤديه، كما أنه يؤمن بأن الإعاقة لم ولن تكون فى الجسد بل هى إعاقة العقل، فمن يملك العقل والإرادة لن يقف أمامه أحد، ونتيجة لعمله واجتهاده استقبله المؤتمر بحفاوة شديدة، وأحسن الرئيس عبدالفتاح السيسى استقباله واستلام ما لديه من شكاوى واعدا بحلها، مؤكدا بذلك حقا أن قوة مصر فى شبابها.
على يسار الرئيس السيسى جلس ياسين، وفى اليمين جلست الفتاة مريم فتح الباب، إحدى أوائل الثانوية العامة، وهى نموذج حى وقدوة للشباب، إذ أرادا أن يتحدا الظروف ويقهران كل الصعاب ماداما قد امتلكا الإرادة، الكل يعرف قصة مريم التى تحولت إلى أيقونة للتفوق، فجاء التكريم الرئاسى لها فى مؤتمر الشباب، وكأن الرئيس يقول للجميع إنه ليس مهما أن تكون فقيرا أو غنيا، المهم تفوقك واجتهادك، فهو البوابة التى يمكن أن تعبر من خلالها إلى كل الأحلام التى تسعى إليها.
كلنا ندرك أن ظهور ياسين ومريم بجوار الرئيس فى مؤتمر الإسكندرية أسعد الملايين من المصريين، وفى نفس الوقت أزعج آخرين ممن لا يريدون لمصر أن تفرح بأبنائها، وتابعنا كثيرا كيف حاول عناصر فى الداخل والخارج إفساد فرحتنا بشبابنا بتويتات تشكك فى كل شىء، لكن لأن المصريين يدركون جيدا نوايا هؤلاء السيئة، فكانت ردودهم على هؤلاء قوية، وألزمتهم جميعا بالصمت، خاصة من يطلقون على أنفسهم النشطاء ممن لا يتحركون إلا بأوامر ممن يدفعون لهم مقابل ما يكتبونه، وكم كنت سعيدا حينما رأيت وتابعت كيف احتفى شباب مصر بوجود ياسين ومريم فى الصفوف الأولى للمؤتمر، وهما يجلسان بجوار الرئيس، وفى نفس الوقت يوجهان لطمات قوية لحزب المخربين.
بخلاف ياسين ومريم، كانت هناك رسالة أخرى مهمة من شباب مصر، الذى رفض أن يتقوقع على نفسه، بل أراد الانفتاح على العالم ليتحاور معه ويصل مع أقرانه من شباب العالم إلى صيغة وآلية للتفاهم حول التحديات التى تواجه الشباب بشكل عام، علهم يصلون إلى حلول واقعية لها، مع إيصال رسالة مهمة للجميع بأن شباب مصر هو الأمل والمستقبل، وأنهم السواعد التى تعمل على بناء الدولة الحديثة، ومن هنا جاءت الدعوة من مؤتمر الشباب فى الإسماعيلية لشباب العالم بأن يلتقوا فى شرم الشيخ، وهى الدعوة التى لاقت تجاوبا غير متوقع من كل دول العالم، فكان القرار المصرى بعقد منتدى شباب العالم فى شرم الشيخ فى شهر نوفمبر المقبل، مع وضع أجندة حوار تهم كل المشاركين، وتعتمد بشكل أساسى على المشاكل التى تواجه الشباب، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، والحوار بين الأديان وتكامل الحضارات، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، مع عقد نموذج محاكاة للأمم المتحدة، وهى كلها موضوعات فى غاية الأهمية، وتسيطر حاليا على الحوار العالمى، خاصة بين قيادات الدول وفى كل المنتديات والفعاليات الدولية، لكن تبقى الخصوصية المصرية فى أنها ستتيح للشباب لأول مرة أن يكون لهم رأى وأطروحات للحل، يكون جاهزا لكل الحكومات تعتمد عليها فى مواجهة هذه المشاكل، التى باتت تؤرق العالم كله، خاصة قضية الإرهاب والتطرف والعنف بما تسببه من قلق لدى كل الدول.
من الإسكندرية جاءت رسالة شباب مصر للعالم «لنحقق السلام بالحوار»، وهى الرسالة التى أتوقع أن تحدث حالة إيجابية لدى كل شباب العالم، خاصة المؤمنين بأن الحوار هو خير وسيلة للتعرف على الآخر، وأنه مهما تباعدت المسافات، فإن التلاقى ممكن مادام هناك اتفاق على قواعد مشتركة يمكن أن نبنى عليها الحوار البناء، الذى يهدف إلى تحقيق التنمية والرخاء والاستقرار للجميع، وهى الرسالة التى يعمل على نشرها شباب مصر، معطيا للجميع نموذج فى كيفية أن ينتج الحوار البناء المتوقع منه، كما حدث منذ انطلاق المؤتمر الوطنى للشباب بشرم الشيخ نهاية العام الماضى، فقبل المؤتمر لم يتوقع أحد أن يكون لدى شبابنا هذا القدر من الثقافة والمسؤولية، وأيضا القدرة على التحاور مع كل مسؤولى الدولى على أرضية الوطن الواحد، الذى يستوعب الجميع، وكذلك أن يكون لدى الدولة ومسؤوليها هذا القدر من استيعاب المطروح من الشباب، وتقبل ثقافة الاختلاف، ومع مرور الأيام تأكد يقينا لدى كل المصريين أن هناك شيئا يتغير، والسبب أن الشباب باتوا فى بؤرة الاهتمام وشركاء فى الحل وتحمل المسؤولية، وهو نموذج جيد يعتقد أن العديد من شباب العالم، خاصة المنتمين لدول العالم الثالث، يريدون أن يروه مطبقا فى بلدانهم، وأن تتاح لهم فرصة المشاركة فى تحمل المسؤولية.
بالتأكيد الأوضاع ليست وردية بالكامل، فهناك الكثير الذى نحلم بتحقيقه، لكن أن تبدأ فهذا هو المهم، لذلك فإننى أعتبر مؤتمرات الشباب هى بداية التحول الحقيقى لمصر، ليس فقط لأنها أتاحت للشباب فرصة مقارعة مسؤولى الدولة بالحوار، لكن أيضا لأنها فرصة مناسبة للمصارحة والمكاشفة أمام الجميع، فى كل شىء سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، وأيضا فرصة مهمة لكى يتعرف المصريون على القدرات الكامنة بداخل كل منهم، من خلال عرض نماذج لتفوق المصريين، خاصة من يتحدون الظروف، ورفضوا أن يبقوا مكتوفى الأيدى، بل تمردوا على ظروفهم وواقعهم وصنعوا لأنفسهم مستقبلا بات فخرا لهم ولكل شباب مصر، فمن شرم الشيخ ووصولا للإسكندرية شاهدنا عشرات النماذج الناجحة، التى تستحق أن تكون قدوة لنا جميعا، كل فى تخصصه، خاصة أنهم يمثلون فئات مختلفة من المجتمع المصرى، لكن يجمعهم كلهم هدفا واحدا، وهو العمل من أجل الوطن، وهو أهم هدف ورسالة يمكن أن نتعلمها جميعا من مؤتمرات الشباب التى أحدثت حراكا كبيرا فى المجتمع المصرى، كما أنها حركت الكثير من المياه الراكدة.
مع انتهاء مؤتمر الشباب بالإسكندرية، أجد نفسى عاجزا عن شكر كل من ساهم فى رسم البسمة على وجوه المصريين، سواء كانوا منظمين أو من الحضور والنماذج المبهرة التى شاهدناها، لكن يبقى الشكر واجب لشخص الرئيس عبدالفتاح السيسى ولمؤسسة الرئاسة التى استطاعت أن تجد آلية ناجحة فى التواصل مع المصريين.. شكرا لكم وتحيا مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة