لا يزال هذا العالم غريبا، وغرابته لا آخر لها ولا منتهى لمعناها، فرغم تطور الأفكار واعتمادها على تاريخ من التراكمات فإن الإنسان لا يزال يفكر بطريقة بدائية، فتسيطر عليه بديهيات غريبة منها أن الرجل المشهور يمكن أن يفعل أى شىء لدرجة أن يتحول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى فنان تشكيلى.. تخيل.
يقول الخبر إن صحيفة «واشنطن إكزامنر»، كشفت عن عرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إحدى لوحاته الفنية، التى رسمها عام 2005، للبيع فى مزاد علنى، واللوحة المقرر بيعها فى دار مزادات Nate D. Sanders، يوم 27 يوليو، تحمل اسم «أفق نيويورك»، وتقدر بسعر 9 آلاف دولار، وسيتم بيعها لصالح الأعمال الخيرية، ويظهر فى اللوحة تصميم بسيط لناطحات السحاب فى مدينة نيويورك، يتوسطها برج ترامب الشهير، موقعاً عليها بخط يد ترامب باستخدام لون ذهبى.
ومن يشاهد اللوحة لن يرى فيها شيئا يذكر لا تقنيات فنية ولا ألوان مميزة ولا تحمل رؤية معينة، كما أنها مرسومة منذ 12 عاما، فما الذى حدث إذن وحول هذه الرسمة إلى لوحة تباع فى مزاد، حدث ذلك لأن ترامب أصبح رئيسا لأمريكا.
ربما يرى البعض أننى مبالغ فى رصد هذا الأمر، لكن فى الحقيقة لست كذلك، فإنى أؤكد أن ترامب لو لم يكن رئيسا لأمريكا ما كانت لوحته «العادية جدا» تعرض فى مزاد علنى وربما لم يكن هو سيفكر فى الإعلان عنها وعرضها.
وكما قلنا، من قبل، يعكس قبول عرض هذه اللوحة للبيع طريقة التفكير التى ترى أن الإنسان يظل عاديا إلى أن يدخل دائرة الشهرة فتتغير أشياء كثيرة محيطة به، لكن فى الوقت نفسه تظل الأمور مقبولة إلى أن يدخل دائرة السياسة فيتنبه إليه الناس أكثر، ولو حالفه الحظ وأصبح على رأس هذه المنظومة، حينها سينظر إليه الناس على أنه يملك قدرات خارقة، لدرجة أنه يستطيع أن يقود حربا ويكتب قصيدة ويرسم لوحة تشكيلية تصلح للبيع والشراء والتقييم الفنى.
قد يرى البعض أن من سيشترى هذه اللوحة سيفعل ذلك تحت اسم أنه يشترى إحدى مقتنيات الرئيس الأمريكى، كأنه يشترى سيارة أو حتى حقيبة جلدية يستخدمها الرئيس، لكننى لا أتفق مع هذه الرؤية، لأن اختيار ترامب للوحة يعنى أنه يراها صالحة للتعبير عنه وعن الفنون التى يتقبلها ويسعى لممارستها كما أن من سيشتريها لن يظل طوال الوقت يقول للناس إنه اشتراها لأن عليها توقيع ترامب.
كل ما أتمناه أن يقوم ناقد تشكيلى أمريكى يكون صوته مسموعا، بقراءة هذه اللوحة ومحاولة الكشف أى شىء فيها، أو التعبير عما تتميز به، أو يخرج علينا وعلى ترامب ويقول لا تخلط الأشياء ودع الفن لأهل الفن.