هل واجه جمال عبدالناصر جماعة الإخوان بالإجراءات الأمنية فقط؟
وهل كان الصراع بينهما مجرد صراع على السلطة؟ أم أنه كان صراعا يعبر عن توجهات فكرية وسياسية أحدها ينحاز إلى فكر النهضة والتقدم، فى حين يقف المشروع الثانى ضد أى تقدم وتطور؟
التصدى للإجابة عن هذه الأسئلة ليس اجترارا للماضى بالسكون فيه على حساب المستقبل، فالنظر إلى وقائعنا التاريخية بنزاهة يعطى أعظم الفائدة للمستقبل، وأكبر جناية ترتكبها أى جماعة سياسية أو يقدمها حزب سياسى هى «تطويع التاريخ وتأويله طبقا لهوى هذه الجماعة أو هذا الحزب».
فليس من المعقول مثلا أن يبقى حزب الوفد أسيرا لتراثه قبل ثورة 23 يوليو 1952 على أساس أن ما قدمه الوفد فى هذه المرحلة لا يشوبه شائبة.
وليس من المعقول أن يبقى الناصريون أسرى ما فعلته دولة عبدالناصر فى كل ممارساتها باعتبار أن ما حدث منها وقتها هو الصواب بعينه.
وبنفس المعيار لا يمكن التسليم كاملا بكل روايات جماعة الإخوان حول الأحداث التاريخية التى كانوا طرفا فيها، لأنهم ببساطة يقدمونها وفقا لوجهة نظرهم وفقط، وعلى أنها هى الصواب وما عداها فهو خطأ.
ليس معنى ذلك أن نطلب من أى جماعة حزبية أو تيار سياسى ألا تكون بلا مرجعية سياسية وفكرية، أو لا تنحاز إلى حقب سياسية معينة مرت على مصر، لكن يبقى التحدى أمام هذه الجماعات فى القدرة على القراءة النقدية البناءة لما تحبه وتنحاز إليه وتتخذه مرجعية له، وهذا هو سر حيوية الأحزاب فى الغرب، فالأحزاب اليسارية جددت فى رؤيتها، وكذلك الأحزاب اليمينية.
أقول ذلك بمناسبة الجدل الذى أثاره مسلسل «الجماعة 2» تأليف الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد، وشاهده الملايين على الفضائيات خلال شهر رمضان الماضى، وجاء بعد سنوات من الجزء الأول الذى تم تقديمه أثناء فترة حكم مبارك أى فى عز قوة الجماعة ووجودها المؤثر على الساحة.
ومما لا لاشك فيه أن وحيد حامد كتب «الجماعة 1» و«الجماعة 2» من موقعه وموقفه الرافض للإخوان فكرا ونهجا وسلوكا، وكذلك رفضه لأى جماعات متطرفة، وانحيازه لفكر التنوير منذ أن عرفناه فى أعماله الدرامية التى قدمها للسينما والتليفزيون فما قدمه فى «البرىء» و«الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«اللعب مع الكبار» يشهد له، وبالتالى لا أرى حجية منطقية فى الذين انتقدوا الجزء الثانى من المسلسل باتهامه أنه يروج للإخوان عمدا، فلا هكذا هى نواياه، ولا هكذا يمكن اتهامه بالتعمد رغم أى اختلافات فكرية معه ممن يقفون أيضا فى خندق العداء للجماعة فكرا وسلوكا.
كما لا أوافق على الرأى الذى ذهب كثيرون إليه بأنه تعمد أن يظهر عبدالناصر كإخوانى فى مرحلة من حياته قبل تأسيسه لتنظيم الضباط الأحرار، وأنه أعطى البيعة لحسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، ولا أوافقه بالرد على هؤلاء بأقوال من عينة أن الناصريين تخالفوا مع الإخوان.
وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن السؤال الملح هو: أين كان الخلل الذى أدى بكل هذه العواصف؟ وأدى بتوجيه انتقادات حادة للمسلسل؟
غدا نستكمل..