بداية، لا بد من التأكيد على أننا وفى هذه المساحة، وأثناء الزخم الثورى 25 يناير 2011، لم يستطع شخص فى أى موقع من مواقع المسؤولية، أو من المراقبين والمتابعين والإعلاميين والكتاب، الدفاع والمساندة لرجال الشرطة، سوى كاتب هذا المقال، قناعة منى بأن الشرطة أحد جناحى الأمن القومى المصرى، بجانب الجناح الأول، أبناء القوات المسلحة، وأن محاولة النيل من أحدهما تهدف إلى إسقاط مصر.
ورغم دعمى اللامحدود لجهاز الشرطة، لم يمنعنى من توجيه الانتقادات البناءة لأداء الوزارة فى كثير من الملفات والمواقف، خاصة فى الملف الجنائى وما يحدث فى صعيد مصر، والممارسات السيئة من عدد كبير من أفراد وأمناء الشرطة ضد المواطنين، التى أساءت لوزارة الداخلية، وكانت القشة التى قصمت ظهر نظام مبارك، وأسقطت وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالقاضية فى 25 يناير.
ثم انتقاد استفحال خطر أمناء وأفراد الشرطة، بعد 25 يناير 2011، عندما استغلوا الحراك الثورى، استغلالا سيئا ووظفوه لتحقيق مصالح شخصية، وطالبوا بإعادة المستبعدين منهم لأسباب تأديبية مختلفة، وضرورة تسوية وتقنين أوضاعهم وترقيتهم إلى ضباط، وإلغاء المحاكم العسكرية، وتشكيل ائتلاف، ليكون نواة يتحدث باسم دولتهم، ويدافع عن ممارساتهم الخاطئة، مثل إغلاق أبواب أقسام الشرطة والمديريات بالجنازير، ومنع القيادات من الخروج، وواقعة إغلاق مديرية أمن الشرقية، منذ عامين، وحجز مفتش الداخلية داخل قسم أول الزقازيق، وترديد الهتافات المسيئة والمنددة بقيادات وزارة الداخلية، وإعلانهم الإضراب عن العمل داخل المقرات الشرطية، ليست ببعيدة عن الأذهان.
ووسط هذه الحالة العشوائية والارتباك، وأن أمناء الشرطة أصبحوا دولة داخل الدولة، وممارساتهم التى تفتح أبواب الفساد، بدلا من أن تغلقها، جاء القرار الذى يعد بمثابة ثورة كبرى، فى تقديرى الشخصى، عندما أصدر اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية، الأسبوع الماضى، أكبر حركة تنقلات لأمناء وأفراد الشرطة فى تاريخ الوزارة شملت نقل الآلاف منهم من المصالح والإدارات الخدمية والجماهيرية، التى تتميز بالمرتبات والحوافز المرتفعة، مثل شرطة الكهرباء والنقل والمواصلات والتهرب الضريبى إلى مديريات الأمن لكل من تجاوزت مدة خدمته بتلك الإدارات 15 عاما.
هذا القرار المهم الذى يعد بمثابة ثورة حقيقية لوضع حد لإمبراطورية أمناء وأفراد الشرطة، لم يجرؤ أى وزير داخلية سابق على اتخاذه، بما فيهم اللواء حبيب العادلى، مضرب المثل فى الأداء القوى، والمواجهة الأمنية شديدة الانضباط، إلا أننا فوجئنا بقرار اللواء مجدى عبدالغفار، الأخطر والأهم، ويؤكد أن هذا الرجل يتمتع بالقوة ورباطة الجأش، ولا يخشى فى الحق لومة لائم.
إذا علمنا أن السبب الحقيقى فى استفحال وتمدد مخاطر إمبراطورية أمناء الشرطة، هو العرف الذى كان سائدا منذ زمن طويل، والمتمثل فى استمرار عمل أمناء الشرطة بأى من المديريات أو المصالح أو الإدارات المختلفة بالوزارة، منذ تخرجه وحتى نهاية خدمته، وهو الأمر الكارثى، حيث استطاع أمناء الشرطة، تدشين شبكة المصالح وتشعبها وتوغلها، بصفتهم المستمرين فى العمل، بينما الضباط يتم نقلهم وتغييرهم نهاية يوليو من كل عام، وأصبح أمين الشرطة، محور هذه الشبكة بين المواطنين والإدارة، إلى جانب غياب المساواة بين الأمناء أنفسهم، من حيث المرتبات والحوافز المتفاوتة، فإدارات شرطة الكهرباء والنقل والمواصلات، دخلها أعلى وأكبر من الأقسام والمديريات.
ومن المعلوم بالضرورة أن المصالح والإدارات بالوزارة يتم تقسيمها إلى 3 فئات «فئة أ- فئة ب- فئة ج»، ولكل فئة مدة عمل محددة للضباط، فعلى سبيل المثال، إدارات فئة «أ» مثل شرطة الكهرباء والتهرب الضريبى يقتصر فيها عمل الضباط كحد أقصى 5 سنوات فقط، خلال مدتهم، يعقبها نقلهم للعمل بمديريات الأمن حتى تتاح الفرصة لغيرهم من الضباط للتمتع بمزايا تلك الإدارات المادية.
أما إدارات الفئة «ب» مثل شرطة النقل والمواصلات والأموال العامة تبلغ مدة عمل الضباط بها 7 سنوات فقط، بينما تصل مدة العمل بإدارات الفئة «ج» التى تشمل الموانئ والسجون من 10 إلى 15 عاما، لعدم تمتعها بذات مميزات إدارات الفئتين «أ» و«ب».
هذه الشروط والقواعد الحاكمة للضباط، لا تنطبق على أمناء الشرطة فالأمين والفرد الشرطى، منذ تخرجه وتعيينه بقسم أو مركز شرطة، أو شرطة الكهرباء ومكافحة التهرب الضريبى، والنقل والمواصلات، وغيرها من الإدارات الشرطية المختلفة، يستمر دون نقل، حتى نهاية خدمته، الأمر الذى شكل وبالا وخطرا داهما على الأداء والعملية الأمنية برمتها، تتمثل فى تشكيل شبكة نفوذ ضخمة، ومحور جوهرى لأى ارتباك وسوء أداء أمنى، فكل عام يتم نقل ضباط القسم أو المركز، ويأتى ضباط جدد، بينما «أمين الشرطة» مستمر فى عمله بذات الموقع، مما يجبر الضابط المنقول حديثا لهذا الموقع أو ذاك، اللجوء لأمين الشرطة للاستفادة من خبراته الطويلة ومعرفته وعلاقاته المتشعبة فى محيط دائرة القسم أو المركز لمساعدته فى أحكام السيطرة الأمنية، وهنا مكمن الخطورة الذى يتمثل فى أمرين جوهريين.
الأول: تكريس قناعة لدى المواطنين بأهمية دور أمين الشرطة أكثر من الضابط، نظرا لاستمراره فى العمل، بينما الضابط يتغير ويتبدل كل عام، وما يستتبع ذلك من تشكيل شبكة المصالح.
الثانى: توظيف الأمناء لقاعدة استمرارهم وبقائهم، فى نشر ثقافة أهميتهم وقدرتهم على التنكيل بمن يشاءون، وتقديم الخدمات الأمنية الجليلة لمن يشاءون.
لذلك جاء قرار اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، بإجراء أكبر حركة تنقلات لأمناء الشرطة فى تاريخ الوزارة، الذى مر مرور الكرام، دون إشادة من أحد «كضربة معلم» وتصويب خطأ جسيم، استمر العمل به لعقود طويلة، وكانت بمثابة ورم فى جسد العملية الأمنية برمتها.
القرار من أجرأ القرارات وأكثرها إيجابية، سعيا للسيطرة على الفساد المستشرى داخل دولة أمناء الشرطة، وتجديدا للدماءو، وتحقيقا للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، الذى لا بد أن نشيد به وندعمه ونثمنه، ونقدره.
وتبقى ملحوظة مهمة أيضا، تتمثل فى قرار تعيين العميد خالد غانم، مديرا للمباحث الحنائية بمديرية أمن قنا، وهو الذى سطر نجاحا كبيرا فى محافظة البحيرة، وأعتقد أن قرار نقل العميد خالد غانم، بما يتمتع به من خبرات ونجاحات كبيرة، إلى مديرية أمن قنا، نقطة مهمة أيضا فى دائرة تصويب أخطاء الأداء الأمنى المرتبك بقنا..!!