بينما كان يكتب خونة ثورة يناير، ونشطاء تويتر وفيس بوك منذ أيام وتحديدًا يوم 2 يوليو الجارى، أن هناك شيئا جللا سيحدث يوم 7/7/2017 فى صيغة تمنى، كان العقيد أحمد المنسى، قائد الكتيبة 103 شمال رفح، يكتب على صفحته على فيسبوك نصا: «القبور تنادى أسامينا.. والموت يعرف كيف يصطفينا.. سطوة الموت لن تغير لقبنا.. فنحن أحياء للشهادة سائلين».
أترون الفارق الشائع، بين من تسكن جيناته الداخلية، الخيانة، ويتدثر بالعباءة الثورية والوطنية والاستبسال لتصدر المشهد لتحقيق مغانم الشهرة والمال والسلطة، وبين الذين يعملون فى صمت ويستشهدون فى صمت دفاعًا عن الأرض والعرض والشرف، مقدمًا روحه فداء لوطنه، فى ملحمة عشق للوطن، ومرتبة عليا من التضحية، دون الانتظار لجمع مغانم، لا مال ولا شهرة ولا تصدر للمشهد.
أبطال الجيش، ارتدوا ثياب الرجال، والرجال تقف كالأسود على خطوط النار، وتحت الشمس الحارقة، صيفا، وعواصف الثلج شتاء، ويواجهون الموت بجسارة، لا يتضجرون، ولا يتأففون من زيادة الأسعار، أو غياب بسكوت (لوكر) ونسكافيه (جولد)، أو يمتعضون من طعم عيش (الجراية) الصعب، وطعام (الميس)، ورغم ذلك يعشقون وطنهم ويدافعون عنه.
بينما، يجلس الناشط الثورى، والرجل النخبوى، خلف الكيبورد، فى منزله وتحت المكيف، وبجواره القهوة (بن غامق) أو (البيرة المثلجة)، أو فى أحد الكافيهات الشهيرة، ويتناول نفس المشاريب، وجواره عدد من الناشطين والناشطات، ثم يهاجمون الجيش، وكم هو متداخل فى صناعات الكعك ولبن الأطفال، ويشتكى من نار الأسعار، واختفاء بسكوت (لوكر) ونسكافيه (جولد)، ويلعن ويسب ويشتم النظام والحكومة بأقذر أنواع الشتيمة، ويكيل لهم كل الاتهامات، التى يعاقب عليها القانون، ثم يقول، نظام (كمعى وكابت للحريات) وديكتاتورى، ثم يسارع بكتابة بيان باللغة الإنجليزية على صفحته، يخاطب فيها الأمريكان والأوروبيين، للتدخل فى الشأن المصرى.
نعم قلها، وبصوت صارخ، نحن نعيش طوال السنوات، التى تلت 25 يناير 2011، زمنا مقلوبا، معادلته عبارة عن رموز وطلاسم أكثر تعقيدا، ولها نتائج كارثية على حياة المصريين.
معادلات الزمن المقلوب، الذى نعيشه من عينة أن فضائل الأخلاق والضمير، والشرف، والوطنية، وصمة يلصقون بها أصحابها، واتهامهم بالمطبلاتية وعبيد البيادة، بينما العربدة والهمبكة، وقلة الأدب والسفالة والانحطاط والخيانة، أصبحت فضيلة وعملا ثوريا، وفروسية وشجاعة، والجميع يحترمهم ويقدرهم.
معادلة، الصوت العالى، والتهديد والوعيد، والمراهقة الثورية، أصبحت السند والدعم القوى للحصول على مكتسبات ضخمة، ولم يعد للقوانين سواء قوانين الثواب والعقاب الوضعية، أو السماوية، أو الأخلاقية، لها أى دور فى تحقيق العدالة، وإعادة الحقوق بشكل شرعى، وإنما تحقق أكبر قدر من المكتسبات، كلما كان صوتك عاليًا، وتحمل فى جعبتك عددًا كبيرًا من أهم قواميس البذاءة والشتائم الوقحة، وهو السلاح الفتاك لإرهاب الخصوم.
أيضًا هناك انقلاب، مبهر ومدهش، فى معادلة المصطلحات الحياتية والأخلاقية، فى ظل زماننا المقلوب على (أم رأسه)، فنجد (الشاذ)، ناشطا حقوقيا، تملأ نظرياته، وطرحه ورؤياه، السمع والأبصار، ويتحول إلى أشهر مشهور فى القطر المصرى الشقيق.
كما أن المتآمر والجاسوس، أصبح لقبه (ناشط سياسى وخبير استراتيجى)، يأتى بنظريات (القلووظ)، ويتحدث عن الشيفونية، والبروليتاريا، والديماجوجية، ويرى فى الحكم العسكرى فاشية، أما الحكم الإرهابى، فهو مدنى ديمقراطى، ثيوقراطى (باذنجانى) عظيم.
أما الذى يخرق القانون، ويدوس عليه بأقدامه، فهو (ثائر)، لا يشق له غبار، ومتثور لاإرادى، يتثور على نفسه فى المنام واليقظة، ولا ينتهج أى عمل مفيد له أو لبلده، (مستخسرا) أن يجهد نفسه فى عمل يدر له راتبا صغيرا، بينما هو ثائر متفرغ للعمل الثورى، ليل نهار، ويعلن يوميا عن مسيرات ومظاهرات ثورية، ضد الطغيان والظلم.
أما الذى يسب جيشه، ويردد شعار يسقط يسقط حكم العسكر، فهو «صاحب قضية»، وشاب وطنى يبحث عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وعندما تسأل أى صاحب قضية من هؤلاء، عن هل تحقق الرخاء ورغد العيش بعد ترديد مثل هذه الشعارات السمجة؟ فلا تجد أى إجابة، وينظر إليك على أنك عبيد البيادة، وتتجلى المأساة عندما تجد احتضانا لمثل هؤلاء من الجميع، فى واقعة «غرام أفاعى» كارثية.
أما اللاعبون الأساسيون، للعبة الانتهازية السياسية، فهؤلاء يلقبون أنفسهم بـ«النخبة»، هؤلاء يتحدثون ليل نهار فى الصحف والمواقع الإلكترونية، وعلى مواقع المراحيض العامة (فيسبوك وتويتر)، وأمام كاميرات القنوات الفضائية المختلفة، وفى الندوات، والمؤتمرات، والمحاضرات، عن الزخم الثورى، والعدالة الانتقالية، والانتخابات بشكل عام، ويضعون ساقا فوق ساق، وهم يملون شروطهم على الدولة، ويضعون روشتات لعلاج مشاكل المجتمع والسلطة، ومع كل روشتة ووصفة يضعونها، تتفاقم أورام المجتمع، وتتحول من أورام حميدة، إلى سرطانية، تدمر الجسد، ومع كل حادث ومشكلة، يعيدون نفس الكرة، وتتفاقم الأورام والدمامل والتقيحات العفنة، ومع ذلك مستمرون، ومصدقو أنفسهم أنهم نخبة عظيمة، رغم اندثار وجودهم وأثرهم فى الشارع كاندثار الديناصورات.
أما رجال مصر الشرفاء، والمدافعون عن الحق سواء جنود وضباط الجيش أو الشرطة، يقاتلون الأعداء فى صمت ويواجهون رصاص الإرهاب الغادر فى صدورهم بصمت، ويستشهدون بصمت، ويقودون معارك التنمية بصمت، ومع كل ذلك، لا يسلمون من التسفيه والتسخيف من أراذل الناس الذين خرجوا علينا بعد 25 يناير 2011!!
ولك الله يا مصر...!!!