عندما سقط صدام حسين الرئيس العراقى الأسبق سقطت معه العراق وعندها خرجت التحليلات والمقالات والدراسات التى تؤكد أن الاضطرابات التى جرت فى العراق منذ احتلال الكويت، كان الهدف من ورائها هو إسقاط العراق نهائيا وتسليمها إلى قوى تابعة للقوى الغربية خاصة أمريكا وتأديب كل الشعب العراقى، بسبب تجاوز صدام حسين فى حق إسرائيل وضربها بصواريخ إسكود، وهو ما جعل الغرب وخاصة أمريكا تسعى لتركيع الشعب العراقى اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وهو ما وعد به بوش الأب الرئيس الأمريكى الأسبق ونفذه بالفعل واستمر على النهج نفسه خليفته كلينتون وبوش الابن، لقد نفذت الإدارة الأمريكية وعدها وتم تخريب العراق، ورغم أن بعض المحللين يَرَوْن أن عودة العراق كشريك تجارى ومنتج للنفط بلا قيود سيقلب رأساً على عقب مجموعة من المصالح الاقتصادية الإقليمية على المدى البعيد، مع استئنافه لضخ النفط فى الأسواق العالمية الذى يملك ثانى أكبر احتياطى فى العالم وستكون دول الأوبك أكبر الخاسرين نتيجة لذلك، بينما ستكون شركات النفط الأمريكية المتعطشة لاستغلال احتياطات النفط العراقى أكبر الفائزين، وهو ما أكدته دراسة الدكتور نبيل إبراهيم حول العرب وأمريكا وإسرائيل حيث يرى الباحث أنه فى هذه الحالة ستحصل الشركات الأمريكية على نصيب الأسد من العقود.
وفى نطاق هذا السيناريو الأمريكى، فإن أية حكومة عراقية جديدة تفرض على العراق حتى لو كانت منتخبة ستجد نفسها مجبرة على رفع معدلات إنتاجها النفطى إلى حدوده القصوى وهو ما سيؤدى بالتالى إلى انهيار أسعار النفط، طبقاً لمعادلة العرض والطلب وهذا التذبذب الناتج عن الاحتلال العسكرى الأمريكى الصهيو صفوى سيؤدى بدوره إلى حدوث اضطرابات سياسية إقليمية ومحلية وخلق حالة من عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط قد تستمر لفترة طويلة من الزمن يمكن أن يحدث خلالها موجات من الانقلابات العسكرية محلية وإقليمية. والمثير للانتباه هو صحوة ضمائر بعض الشخصيات الأمريكية التى أصبحت تعارض السياسة الأمريكية فى العراق بعد أن عرفت الحقيقة.. لكن هذه الصحوة لم تأت إلا بعد أن وقع الفأس فى الرأس..!!
أهداف أمريكا من احتلالها للعراق لا تقتصر فى العراق فحسب ولن تتوقف عند حدوده الجغرافية بل ستمتد لتشمل الوطن العربى بأكمله..وبالنظر للأهداف المعلنة للاحتلال «والتى كانت نزع أسلحة الدمار الشامل لدى العراق ونشر الديمقراطية والحرية». وهذه الأهداف لا تستلزم حربا حتى لو لم يكن العراق متجاوبا مع المفتشين الدوليين.. ثم أيضا أنه من غير المنطقى أن يكون من بين أهداف حرب تزهق فيها أرواح مئات آلاف من البشر ويشرد بسببها الملايين لمجرد تطبيق الحرية والديمقراطية، وإذا كانت الأهداف المعلنة غير منطقية فهذا يعنى أن هناك أهدافا أخرى تكمن وراء هذه التضحيات من قبل أمريكا وقد أصبح من الواضح أن من بين أهداف الحرب الفعلية عدة أهداف نوجزها كالآتى:
1 - تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة كخطوة أولى لرسم الخريطة الجديدة للمنطقة التى تحدث عنها الأمريكيون فى أكثر من مناسبة فالنجاح فى تقسيم العراق إلى دويلات سيتبعه مطالبة الأقليات فى الدول العربية بالاستقلال والحكم الذاتى مما يؤدى فى النهاية إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة، وسيكون الكيان الصهيونى الدولة العظمى بينها على المدى البعيد فى العمل على تقسيم العراق وتقطيع أوصاله حسب السيناريو الموضوع.
2 - النفط العراقى كان هو أحد الأهداف الرئيسية، إذ أن احتياطى النفط العراقى هو أكبر احتياطى فى العالم فبحسب بعض الإحصائيات «150–200» مليار برميل، والسيطرة على أكبر احتياطى نفط فى العالم يؤدى إلى تحكم أمريكا بالعالم حتى بالدول الأوروبية، هذا من جانب. ومن جانب آخر أن القائمين على الإدارة الأمريكية معظمهم يعملون لدى شركات النفط وتصنيع الأسلحة وهى الشركات المتحكمة فى القرار السياسى فى الولايات المتحدة الأمريكية وهى التى تقف وراء حملات الانتخابات الأمريكية ويصرف عليها من «2 - 4» مليار دولار.
إن الغرض غير المعلن من هذه الحرب لم يكن تغيير النظام الوطنى الشرعى العراقى، واستبداله بنظام «ديمقراطى» حسب زعمهم، ولم يكن لأن العراق يملك أسلحة دمار شامل بل إن هذا التصميم نابع بالدرجة الأولى من استراتيجية أمريكية رامية إلى فرض السيطرة على منابع النفط الرئيسية فى منطقة الخليج باعتبار أن العراق يقع وسط منطقة تحتوى على أكثر من ستين بالمائة من احتياطى النفط العالمى، وهذا ما يتفق عليه الخبراء النفطيون فى العالم وخبراء الطاقة والاقتصاديون الذين يرون بشكل جماعى أن المعارضة الدولية المتصاعدة ضد الحرب الأمريكية على العراق كانت تدخل ضمن هذا الإطار والمفهوم، كما أن القوى الاقتصادية العالمية كانت تعلم جيداً الأهداف الحقيقية وراء تصميم واشنطن للمضى قدما فى حربها ضد بغداد، وهى وراء الانزعاج الكبير الذى أثارته النوايا الأمريكية فى مهاجمة العراق فى أوساط دول حليفة ومهمة لدى الولايات المتحدة ورغم معرفة واشنطن الأكيدة بأن تجاهل هذا الاعتراض العالمى المتزايد سيترتب عليه كلفة سياسية كبيرة على مدى سنوات طويلة مقبلة، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تدفع ثمنه غالياً فى العراق فإن ذلك لم يثنِ الرئيس السابق بوش والصقور فى إدارته عن المضى قدماً لشن الهجوم على العراق واحتلاله بالاعتماد على ما قد أعلنوه من أهداف.. وغدا إن شاء الله نستكمل الحديث عن علاقات أمريكا والعرب وبينهم إسرائيل.