لن أكرر اللوم من جديد، وكم كنت أصرخ فى أكثر من مقال محذرا من الوضع الأمنى الخطير فى الصعيد وجبالها الوعرة، خاصة قنا، وقلنا أن هناك زواجا كاثوليكيا بين المجرمين من تجار السلاح والمخدرات، وبين الإرهابيين الإخوان والتكفيريين، ولكن الجميع جعل ودنا من طين والأخرى من عجين، وكأننا نؤذن فى مالطة، ثم رأينا بأعيننا الوضع هناك، عندما استيقظنا على أخطر خلية ولدت وترعرعت وتضخمت فى قنا، والمعروفة اصطلاحا بخلية «الكنائس» المسؤولة عن تفجير البطرسية بالقاهرة، ومار جرجس بطنطا، والمرقسية بالإسكندرية، وحادث دير «صموائيل».
التدهور الأمنى فى قنا كان واضحا للعيان، يراها كل مواطن قنائى، ما عدا صلاح حسان، الذى استمر فى منصبه مديرا لأمن قنا طوال 4 حركات متتالية للشرطة، ولم يطله التغيير سوى فى الحركة الأخيرة، التى أجريت منذ أيام قليلة، وتم استبعاده ليرتدى «بيجامته» ويجلس فى منزله غير مستمتع «بذكرياته»، تاركا إرثا ثقيلا ومعقدا لخلفه اللواء علاء العياط، مدير أمن قنا الجديد، الذى اصطدم مع الساعات الأولى لتسلمه مهام منصبه الجديد، بأخطر خلية إرهابية تعمل فى جبل قنا الغربى، مشكلة مخاطر جسيمة على الأمن فى الصعيد برمته.
القصة بدأت عند «إطلاق نار على كمين إسنا» جنوب الأقصر، منذ ثلاثة أسابيع تقريبا، واستشهد أمين شرطة ومواطن، وتم القبض على أحد الإرهابيين المشاركين فى الجريمة، ويدعى عيد حسين عيد «من شمال سيناء»، واعترف فى التحقيقات بانتمائه لخلية «داعشية وإخوانية» تقطن جبل قنا الغربى، وتحديدا عند قرية «الكرنك» بمركز أبوتشت، وبالفعل تحركت القوات لتسير فى كهوف ومدقات لمدة 10 ساعات فى العمق، لتفاجأ بوجود معسكرات لهذه الخلايا، تضم عناصر من البحيرة وسيناء والمنيا والفيوم وغيرها من محافظات الوجه البحرى.
الخلية، متشعبة، واتخذت من جبال قنا الوعرة، المتشابهة فى وعورتها بسلسة جبل «الحلال» فى سيناء، إقامة كاملة لتحركاتها، وإقامة معسكراتها التدريبية، وبُعدها التام عن العيون الأمنية، لتشكل مخاطر كبيرة من الفيوم وحتى الأقصر، وأن «المدقات» فى هذه المنطقة، تختصر الزمن المستغرق فى عملية التنقل بين المحافظات إلى الثلث، فالمسافة من قنا إلى أسيوط أقل من ساعة، وإلى المنيا أقل من ساعتين.
المفاجأة من خلال المعلومات الأولية التى أمكن لأجهزة الأمن التوصل إليها، أن المعسكرات مجهزة تجهيزا عالى التقنية، وبحوزة الإرهابيين أسلحة متطورة وسيارات دفع رباعى حديثة للغاية، بجانب أن المنطقة خارج تغطية شبكات الاتصال المحمولة العاملة فى مصر، وأن الإرهابيين يستخدمون تليفونات «الثريا» لإجراء الاتصالات فيما بينهم.
جبال قنا ضمن سلاسل جبال غرب صعيد مصر مترامية الأطراف، تصل حتى جنوب ليبيا، فالمقابل لمدينة أبوتشت المصرية، التابعة لمحافظة قنا، مدينة «الجوف» الليبية، والوصول إليها بالمناطق الجبلية بسيارات الدفع الرباعى يستغرق «20 ساعة»، لذلك يعتبر تمركز «الخلية» فى عمق الجبل وبعد سير بالسيارات «10 ساعات»، منتصف المسافة بين أبوتشت بقنا ومدينة «الجوف» الليبية.
بجانب أيضا أن الكهوف الجبلية تقع على ارتفاع ما يقرب من 500 متر عن سطح الأرض، وتحيط بها الجبال المرتفعة من مختلف الاتجاهات وتغطيها الكثبان الرملية، بجانب وجود المدقات الوعرة، ويمكن الوصول إلى الأقصر فى أقل من ساعة، وإلى أسوان فى ساعتين، ومن هذه المنطقة انطلق منها الإرهابيون عام 1997، لارتكاب حادث الدير البحرى، وتحديدا معبد حتشبسوت»، وهو الحادث الخطير الذى راح ضحيته 58 سائحا، وأقيل حينها حسن الألفى وزير الداخلية.
لذلك تكتسب منطقة الجبل الغربى لقنا خطورتها، من وعورة تضاريسها، وامتدادها لتصل إلى جنوب ليبيا، عمقا، وربطها بجبال سوهاج وأسيوط والمنيا، مُشكلة منطقة آمنة تتحرك فيها الجماعات الإرهابية بكل أريحية لتنفذ عملياتها فى الفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر، وقدرتهم على تأمين المدقات والطرق المؤدية لجنوب ليبيا، لتهريب كل شىء، إرهابيين وأسلحة ومخدرات، وأعضاء بشرية، ومن ثم فإن الإجابة على أسئلة من أين للصعيد الحصول على الأسلحة المتطورة، الإجابة بالطبع من ليبيا والسودان عبر هذه المنطقة.
بل لا يقتصر الأمر على تهريب الأسلحة والمخدرات، وإنما هناك تهريب لأسماك بحيرة ناصر، لأن المدقات تختصر المسافة بين أسوان وقنا إلى ساعتين فقط، فى حين تستغرق نفس المسافة فى الطرق العادية والممهدة 5 ساعات كاملة.
قوات الأمن بدأت فى نشر تمركزات أمنية من قوات العمليات الخاصة بالقرب من الظهير الصحراوى بداية من مركز أبوتشت أول منطقة لحدود قنا من ناحية الشمال والقريبة من مركز دار السلام، التابع لمحافظة سوهاج، الذى يشكل منطقة قلاقل شديدة، مرورا بمراكز فرشوط ونجع حمادى ودشنا ثم مدينة قنا، وذلك تحسبا لهروب عناصر الخلية من الجبل.
لكن هل وضع رجال الأمن فى اعتبارهم وخططهم الأمنية أن هذه العناصر يمكن لها الفرار إلى داخل قرى ومراكز قنا بشكل خاص والصعيد بشكل عام، أم يمكن لها الهروب فى اتجاه مدينة «الجوف» الليبية؟!
الأمر جل خطير للغاية، وفوق قدرات الأمن فى قنا، ويحتاج إلى خطط حربية، وطيران، لتطهير سلسلة الجبال الغربية التى يقطنها كل المجرمين من قتلة وتجار سلاح ومخدرات وأعضاء بشرية، بالإضافة للعناصر التكفيرية من داعش للإخوان، ولا يمكن الاكتفاء فقط بإرسال حملة من الأمن العام، برئاسة اللواء جمال عبدالبارى، لأن الرجل ذهب إلى الصعيد، واستطاع أن يعيد الأمن فى قرى ونجوع كانت محرومة من دخول أى شرطى منذ 7 سنوات كاملة.
لكن الوضع هذه المرة يحتاج لجهود أكبر من قدرات الأمن فى قنا ورجال الأمن العام، الأمر يحتاج إلى إمكانيات الطيران وقوات خاصة مدربة تدريبا قتاليا عاليا، وأسلحة متطورة، مثلما حدث فى جبل الحلال، ومن هنا نقولها بأعلى صوت، الرجاء الإسراع فى عملية تطهير جبال قنا والصعيد الغربية، فمحافظة قنا أصبحت خطرا حقيقيا، وحذرنا من ذلك أشهر طويلة فى عشرات المقالات، لكن تقارير اللواء صلاح حسان مدير أمن قنا السابق، التى جميعها حملت أكلشيه وحيد «كله تمام يا فندم»، تسببت فيما آل إليه الوضع الحالى!!
ولك الله يا مصر...!!!