حين نظرت إلى صورته المعلقة على الحائط ، فرأيته فى القرب والبعد جميل ، بكيت قليلا فارتحت قليلا، رحل كالأشجار واقفا، كما عاش واقفا ، ستون عاما من النضال الوطني والتقدمى ، سنديانة حمراء لا تلين ولا تنحني ،عشرات الكتب لم ينسي فيها الجميع ، نقش الحزب علي جبينه والطبقة على كفه، والوطن فى العينين ، كان أبى منذ عام 1975 عرفته فعرفت نفسى ووطنى وقضيتى وحزبى، لم يعرف فى النضال من أجل مدنية الدولة أى مساومة.
كتب وقاوم الإخوان وأول من نحت مصطلح "المتأسلمين"، وتكحل بالعلمانية منذ صباه الأول فى المنصورة ، كنت لا أفارقه وكان عوضي عن كل شئ ، تعلمت منة أن الضمير الوطني لاينفصل عن العلمانية، وأن الحرية الاجتماعية هى الطريق لحرية الأوطان من التبعية ، وأن الديمقراطية حلم لايتحقق سوي بالعرق والدموع والدماء .
كان الحوار الأخير الأسبوع الماضي حول "الشيوعيين المصريين المسيحيين والدين" كان مبتسما ومن ابتسامتة كان الحلم يطل فى فرح ، لم أدرى أننى أودعه، كان يكتب مقاله الأخير حول مواجهة الإرهاب تبدأ فكرا ، تحاونا عن المنيا وعن التطرف هناك ، نظرت لصورة خالد محيي الدين المجاورة لمكتبه ، شعرت أن الحلم اليساري يتسرب كالماء من بين أصابعنا ، تذكرت فرسان سبقونا نحو الوطن السماوى، سمير فياض ، كمال رفعت ، لطفي واكد ، فليب جلاب ، شاهندا مقلد ، زكي مراد ، احمد الرفاعي ، عبدلله الزغبي ، سيد عبد الراضي ، عبد الرحمن خير، الشيخ عراقي ، عريان نصيف ، حسين عبد ربة ، فتحية سيد احمد ، فاطمة زكي ، ليلي الشال ، مريم وديد ، احمد نصار، ويا حزن قلبي .
من يرفع عنى مر هذه الكأس ، ماذا نكتب في يوميات الحزن المعتق عن مرثية العمر الجميل ؟، فيا أيها الفارس الذى يترجل في صمت نحو الفجر السرمدى ، سنظل على العهد حتي نلقاك ونكمل حديثا لم ينتهي من 1975 وحتي الأن.