تنفذ الدولة المصرية الآن العديد من المشروعات القومية فى إطار رؤية متكاملة واعية بمشكلات الوطن والأمة تستهدف وضع حلول حقيقية للتحديات التى تعانى منها الدولة المصرية فى جميع المجالات بلا استثناء، ومن بين تلك المشروعات العديدة مشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، ولاشك أن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لا يقتصر الهدف منها فقط على الخروج من أزمات القاهرة بكل ما تحمله من أعباء مضاعفة على شبكات البنية التحتية والخدمات والتى تراكمت على مدى فترات زمنية طويلة، ولعل القراءة الصحيحة للمستقبل تؤكد أن العاصمة الإدارية الجديدة تعد جزءا من مستقبل الدولة المصرية حيث يستهدف المشروع جذب حوالى 7 ملايين نسمة فى المرحلة الأولى فقط وتقوم وزارة الإسكان بتنفيذ حوالى 25 ألف وحدة سكنية فى الحى السكنى إلى جانب العديد من الشركات الخاصة التى تعمل فى الحى السكنى .
وتعتمد رؤية الدولة فى جزء أساسى منها على إتمام مشروع تنمية إقليم قناة السويس ، حيث ستكون العاصمة الإدارية مركزا مهما لهذا الإقليم الجديد والذى يبعد عنها ما يقرب من أربعين كيلو مترا، وليس بالخفى أن هناك فرقا بين مشروع قناة السويس الجديدة وإقليم قناة السويس ، فالإقليم الجديد يضم داخله مدينة الإسماعيلية الجديدة ووادى التكنولوجيا والمنطقة الصناعية بشمال غرب خليج السويس، إلى جانب المنطقة الصناعية لشرق بورسعيد، والتى يربطها بالوادى الأنفاق التى بدا تنفيذها أسفل القناة، وهى جميعها تعد بمثابة المقومات الاقتصادية الكفيلة لتأسيس إقليم تنموى متكامل متوقع أن يستوعب ما لا يقل عن خمسة ملايين نسمة ضمن الزيادة السكانية المتوقعة حتى العام 2050.
مدينة العلمين الجديدة ستكون هى أيضا مركزا مهما لإدارة التنمية الاقتصادية فى الساحل الشمال الغربى حتى حدود ليبيا، وستتكامل هذه المدينة مع المناطق الاقتصادية والصناعية القائمة هناك ومنها مدينة الضبعة الجديدة، وبرج العرب والدخيلة وسيدى برانى، ومن المتوقع أن مدينة العلمين الجديدة ستعد أكبر واجهة سياحية مطلة على المتوسط، وبالقرب منها أحد أكبر الموانئ التى ستخلق خطوطا ملاحية جديدة للتجارة بين دول حوض البحر المتوسط، وسيخدم مدينة العلمين الجديدة والساحل الشمالى الغربي، والشبكة القومية للطرق والتى يتم تنفيذها الآن لتربطها بالقاهرة ومحافظات الدلتا ومنها إلى طريق أسيوط الغربى حتى الحدود الجنوبية، كما سيتم ربطها بالعديد من المحاور العرضية وصولا لموانئ البحر الأحمر بشكل مباشر، ليتم نقل البضائع بين سواحل البحر الأحمر والمتوسط، فى أسرع وقت ممكن وخلال ساعات معدودة، وبين ساحل البحر المتوسط ومحافظتى قنا وسوهاج، يجرى العمل الآن فى إنشاء المثلث الذهبى ليكون أكبر قاعدة اقتصادية فى صعيد جمهورية مصر العربية.
يقع المثلث الذهبى فى الصحراء الشرقية، على مساحة تزيد على 2.2 مليون فدان، ما بين قنا وسفاجا والقصير، ويضم المشروع مناطق صناعية تعدينية وسياحية وزراعية وتجارية إلى جانب الكثير من المقومات السياحة، والمواقع الأثرية ويعتمد الاستثمار فى المثلث الذهبى على ثروات جمهورية مصر العربية الطبيعية فى هذه المنطقة وهى أكبر مخزون استراتيجى للدولة المصرية نظرا لما تحتوى عليه تلك المنطقة من الثروات التعدينية والمحجرية، مثل الذهب والبازلت والرمال البيضاء والحجر الجيرى والصخور الفوسفاتية، وما ينقصها فقط هو ربطها بالموانئ المطلة على البحر الأحمر من خلال المحاور العرضية للشبكة القومية للطرق، وتأسيس صناعات جديدة فى نفس المنطقة، تخلق قيمة مضافة على الخامات المصرية بدلا من تصديرها كمواد خام.
ستوفر المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبى حوالى ثلاثمائة وخمسين ألف فرصة عمل مباشرة ومن المتوقع أن يتم تنفيذها على ستة مراحل ليصبح المثلث الذهبى بمثابة قطب جاذب لكل الزيادات السكانية المتوقعة فى محافظات وسط الصعيد، وسيكون بديلا للظهير الجبلى الذى يحاصر مدن الصعيد ويعيق التنمية العمرانية بها وهو ما تسبب فى ارتفاع أسعار العقارات بالصعيد عن مثيلاتها فى العاصمة نتيجة ضيق مساحة الأراضي، إذ يعد أحد أهداف الحكومة من المشروع هو توجيه جزء من السكان للعيش فى المنطقة الجديدة بدلا من وادى النيل، ومن المتوقع أن تستوعب حوالى 2 مليون نسمة وسيتم إنشاء عاصمة للمثلث الذهبى تبعد عن قنا بمسافة 100 كيلو متر.
ومن المنتظر أن يحقق المشروع عوائد للدولة تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار سنويا.
الأربعة أقطاب التنموية السابقة تؤكد وبشكل واضح أن هناك مخططات تنموية تم دراستها بشكل كامل تستهدف وضع حلول حقيقية لاستيعاب الزيادة السكانية والحركة والسكن فى المستقبل وتغيير بشكل حقيقى للخريطة المصرية والتى ظلت متمركزة حول وادى النيل لآلاف السنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة