من أكثر المصطلحات السياسية العربية شهرة أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى، ومازال كثير من العرب يرددون المصطلح كما تم صكه لأول مرة فى ستينيات القرن الماضى دون إدراك أو اعتبار التغيرات الهائلة التى طرأت على الوضع العربى والوضع الفلسطينى فى الوقت الراهن.
طبعا لا نمانع فى أن تكون القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى، ولكن علينا أن نسأل أنفسنا كيف تكون قضية العرب الأولى، بينما لم تعد قضية الفلسطينيين الأولى؟ وكيف تكون قضية العرب الأولى ولم يعد هناك عرب بالمعنى الذى كان سائدا أوان صك المصطلح.
ولننظر إلى الخريطة العربية والأراضى الفلسطينية، ماذا نرى؟ نرى أولا الشعب الفلسطينى فى الضفة وغزة بدون قيادة وطنية حقيقية تستطيع حمل راية النضال فى سبيل القضية التاريخية، وهى استعادة الأراضى المحتلة وفق قرار ٢٤٢ وحدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعدم التفريط فى حق العودة أو إقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس.
من نراهم الآن من سياسيين فلسطينيين فى غزة ورام الله للأسف الشديد هم أدوات فى أيدى الاحتلال الإسرائيلى، تستخدمهم لتأمين مشروعها الاستعمارى مثلما كانت تستخدم فى الماضى العمال الفلسطينيين لبناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية المغتصبة، هى هى نفس المأساة مع فارق الجرم، فالعامل الفلسطينى لم يجد أمامه حتى يعيش سوى أن يبنى بيت عدوه على أرضه المغتصبة، وهنا يمكن أن نلتمس له بعض العذر، ولكن ما عذر المناضل الذى اختار أن ينحنى طوعا لعدوه وأن يسلمه مصائر الفلسطينيين مقابل حفنة أموال أو سلطة وهمية على لا شىء؟
على السياسيين الفلسطينيين أن يكفروا عن خطاياهم فى حق القضية الفلسطينية وفى حق الشعب الفلسطينى وأن يعلنوا توبتهم، وأن يكشفوا عن حساباتهم المالية فى الخارج لتكون ضمن أموال الفلسطينيين فى غزة والضفة والمدن الفلسطينية الأخرى تحت الاحتلال، وعليهم كذلك أن يسلموا راية القيادة لمن يزهد فى السلطة، ويحيى من جديد النضال الفلسطينى، من أجل استعادة الأرض السليبة.
كفى عمالة وخيانة، كفى انحناء للعدو الإسرائيلى، ناهب الأرض، ومستعبد الشعب، ساجن الرجال، ومغتصب النساء، كفى استخذاء وارتهانا للمشروع الصهيونى الذى يسعى إلى تعميق الانقسام الفلسطينى أولا، ثم الانحراف بقضية تحرير الأرض الفلسطينية إلى إقامة الدولة الرمزية على أراض بديلة، سواء من الأردن أو من مصر أو من شمال السعودية.
اعطونى سببا واحدا يمنع التوحد الفلسطينى حول قضيتهم التاريخية الوحيدة إلا رغبة المحتل الإسرائيلى؟ وإذا كانت قضية تحرير الأرض الفلسطينية قد هانت على الفلسطينيين مقابل أطماع ومكاسب مادية حقيرة، كيف يمكن أن تكون قضية العرب الأولى بالله عليكم!