لم أعرف الدكتور رفعت السعيد، رحمه الله، عن قرب رغم أننى كنت من أصدقاء حزب التجمع فى ثمانينيات القرن الماضى، وكنت مشاركافى معاركه الانتخابية البرلمانية مع مؤسسه وزعيمه التاريخى خالد محيى الدين وقت أن تشاركت دائرتا طوخ مع دائرة كفر شكر بمحافظة القليوبية.
ورغم أن مؤلفاته المهمة فى التأريخ للحركة اليسارية فى مصر موجودة فى مكتبتى، وبجوارها كتبه التى تشتمل على مواجهاته العنيفة ضد القوى الظلامية والتكفيرية، وأعود إليها بين الحين والآخر، إلا أننى طوال حياتى الصحفية منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى لم يكن الرجل من مصادرى الصحفية الدائمين، ولم أتصل به أكثر من ثلاث أو أربع مرات كمصدر، وأشهد أنه كان طويل البال رغم مناوراتى كى أحصل منه على ما أريد، وأذكر فى إحداها أنه قال لى: «هات من الآخر، وأنا هقول لك من الآخر، الموضوع اللى إنت بتسأل عنه هو، كذا وكذا».
وأذكر وقتها أنه كان بخصوص ما تردد عن قيام الحزب الوطنى فى القليوبية بمساندة خالد محيى الدين فى الانتخابات البرلمانية عام 2005، وبالرغم من ذلك خسرها الرجل بكل تاريخه النضالى الكبير والمحترم أمام مرشح إخوانى لم يسبق لأحد أن عرفه اسمه تيمور عبدالغنى، وكان قرار الإخوان بالترشح أمام خالد محيى الدين بكل قيمته تعبيرا عن عدم احترامها لأى قوى سياسية تختلف معها وعدم تقديرها لتاريخ الرجل، وقيل وقتها إن قررها كان انتقاما من «السعيد» الذى يناصبها العداء الدائم، وقيل فى نفس الوقت إن «السعيد» هو الذى أقنع «خالد» بالترشح رغم تقدمه فى السن وتوقع الكثيرون أنه لن يخوض الانتخابات هذه المرة.
أقول ذلك بما فى الأمر من جانب شخصى كنوع من التعبير عن الرفض لتلك الحالة البائسة التى ظهرت فى شماتة البعض فى موت الرجل، وذهابهم على صفحاتهم بموقع «فيس بوك» إلى وصفه بما لا يليق مع لحظات الموت بكل جلالها، وأحزانها.
وتلك مسألة فاجعة تحتاج إلى تفسير فى مسألة التحولات الأخلاقية لدى المصريين فقد كان يحكمها قاعدة بسيطة فى مثل هذه الظروف وهى: «اذكروا محاسن موتاكم»، وإذا كان هذا السلوك البغيض والمشين معتادا من جماعة الإخوان وممن ينسبون أنفسهم إلى قوى الإسلام السياسى، حيث لا يخفون سرورهم وفرحهم كلما مات أحد من خصومهم، ويطلقون عليه أوصافا غاية فى السوء دون مراعاة لأى تعاليم دينية يجب اتباعها فى ذلك كما فعلوا مثلا مع جمال عبدالناصر وقت وفاته، ويفعلونه الآن مع أى شخصية تعارضهم، أقول: إذا كان الأمر على هذا النحو من هؤلاء، فإن ما يستفز حقا هو قيام بعض المعادين لهم من القوى المدنية بممارسة نفس السلوك وكما حدث مع السعيد، فأى سخف هذا؟.
الذين أبدوا شماتتهم علنا فى موت الرجل، دفعوا آخرين إلى الرد عليهم بالقول: «السعيد» الذى بلغ من العمر 85 عاما وقت موته، اعتقله الملك فاروق، واعتقله جمال عبدالناصر، وأنور السادات، فماذا فعلتم أنتم؟.
رحل رفعت السعيد ودوره بسلبياته وإيجابياته متروك للتاريخ، لكن لا يستقيم أبدا أن يبدأ تقييم هذا الدور بالتعبير عن الشماتة فى موته، فهذا أمر يقود حتما إلى أنه لا يمكن أن تأخذ من هؤلاء تقييما صحيحا وجادا ومنصفا لما فعله الرجل طوال حياته.
رحم الله رفعت السعيد، وهدانا جميعا