لن يكون عمرو يوسف وكندة علوش آخر ضحايا إعلام المقاهى، لن ينجو أحد طالما ظلت الفوضى هى القانون، لا مساءلة ولا حساب، تنتهك سمعة الأبرياء بجرأة، ولا يستطيعون أن يأخذوا حقهم، وآن الأوان أن تنضبط الفوضى.
تعلمنا من أساتذتنا أن السبق الإعلامى الكاذب انتحار مهنى، وأن الصحافة أخلاق وضمير ومهنية.. الأخلاق تقتضى عدم الخوض فى سمعة الآخرين، والضمير يحاسب صاحبه، والمهنية تفرض التحقق من كل خبر قبل نشره، أو على حد المثل الفرنسى، «إذا كنت تشير لأحد بأصبع اتهام، فأنت تشير لنفسك بثلاثة أصابع على الأقل».
تألم الدكتور كمال الجنزورى كثيرًا، حين نشروا خبر وفاته، وأقاموا السرادقات والرثاء، رغم أن الرجل حى يرزق، وما أكثر الألم النفسى حين يتصل بك شخص ليعزيك فى وفاتك وأنت حى.. وحبسوا عمرو يوسف وكندة علوش بتهمة حيازة المخدرات، وذكروا أسماء السادة اللواءات الذين تولوا عملية الضبط، وتفاخروا بنشر فيديو عار لفنانة رغم أنه خادش للحياء.. لا الجنزورى مات، ولا كندة حُبست ولا الفنانة سُترت.
وكل يوم ننام ونستيقظ على شائعة، لا مصدر لها ولا مصداقية ولا دليل، وتتورط فيها بوابات كبرى، من المفترض أنها تحارب الشائعات وتتصدى للممارسات اللا مهنية، وأصبحت المسألة فى أمس الحاجة إلى ضوابط رادعة، وليس فقط عتاب وأسف وعبارات مجاملة، ولا يصح أن تظل فوضى الميادين مسيطرة على السوشيال ميديا، فقد انتهت مرحلة البلاغات الكاذبة والاغتيالات الكيدية، التى أعقبت 25 يناير، وأدت إلى نقل احتجاجات الميادين إلى صفحات الجرائد، ومواقع التواصل الاجتماعى فى أكبر عملية تصفية حسابات شهدتها مصر فى تاريخها، وركب الإعلام الموجة، وسار على درب الشائعات وليس مدققًا لها.
علينا أن نعترف بشجاعة أن عددا كبيرا من شباب الميادين، انتقلوا إلى كثير من الصحف والبوابات والمواقع الإخبارية، لم ينالوا قدرًا من التدريب فى مؤسسات صحفية عريقة تحفظ الأصول المهنية وتحافظ عليها، فى وقت أصبحت فيه معايير السبق الإعلامى أقرب إلى شهادة الزور، وسرت قاعدة «البرىء متهم حتى تبث إدانته»، ويا دار ما دخلك شر، وأصبحنا نسمع من يقول «الصحفى ينشر ما يريد، وعلى المتضرر أن يضرب رأسه فى الحائط»، وسرت العدوى فى سائر الفضائيات والتوك شو وفيس بوك وغيرها.. فيس بوك بالذات سبب كثير ًا من المصائب.
«فيس بوك تحول إلى منصة اغتيال عشوائية، يدير شؤونه الأخ مارك، من خلال قواعد انضباطية لا تعرف الانضباط، وأخلاقية لا تعرف الأخلاق، وتحول من شاشة لتعارف الأصدقاء، إلى مستنقع لاغتيال الأبرياء، ما أكثر ضحاياه الذين جرفتهم تلك الوسيلة الساحرة، دون أن يعرف مخاطرها.. مأساة بعض وسائل الإعلام والإعلاميين، هى الجرأة فى ترديد ما تنشره الصفحات المجهولة على أنه حقائق، دون أن يكلف نفسه مشقة البحث والتحرى.
مأساة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى أنها تنقل عن بعضها كالبغبغاء، وبجرد أن ينزل الخبر فى موقع، حتى لو كان كاذبًا، يسرى سريان النار فى الهشيم فى بقية المواقع الأخرى، وخلال دقائق معدودة، يمتلئ الفضاء الإعلامى بدماء الضحايا وأشلائهم، وتنتحر الحقيقة وتسود شريعة الغاب، ولن تأخذ حقك إذا أصابتك سهام الإعلام الكاذب بكل صنوفه، فإذا ذهبت إلى الموقع أو الجريدة، لن تجد قبولًا، وإذا ذهبت إلى المحاكم فأمامك سنوات وسنوات، والأكثر خطورة هى الصفحات المجهولة والمواقع المدسوسة، وصفحات أسست من أجل الابتزاز والإثارة والتحريض، ولا يمكن أن تصل لصاحبها، وإذا خاطبت الأخ «مارك» رد عليك بأنها لا تخالف القواعد الأخلاقية، أخلاق «مارك»، التى لا تعرف شيئًا عن معايير الأخلاق، ولا عمليات التدمير الواسعة للأخلاق.
سوف تستمر الفوضى طالما أمن أصحابها العقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب، وغيرنا من الدول انتبهت لذلك، وأصدرت قوانين تحمى مواطنيها، وتصون مهنة الإعلام من المندسين، وتمنع تحولها إلى أسلحة فاسدة لاغتيال الأبرياء وتلويث سمعتهم، ومن الأهمية أن تفعّل المواقع المحترمة مدونات أخلاقية لقواعد النشر الأخلاقى، فلا يتسابق لنشر أكاذيب، ولا تتبارى لنقل شائعات، وأن توجد آلية لوضع هذه الضوابط موضع التنفيذ، حتى لا تتحول إلى ما يشبه نصائح الأب الروحى، التى يقرؤها الناس فيعجبون بها، ثم يدوسونها بالأقدام.
الإعلام ليس سبقًا مسلطًا على الرقاب، والإعلاميين ليسوا آلهة فوق النقد والحساب، والمهنة أصبحت مثل الأسواق العشوائية، التى تحتاج إلى إعادة تنظيم، والنقابات والهيئات الإعلامية يجب أن تقوم بدورها، ولا تخشى لومة لائم، ولا تخاف من سهام النقد، ولا من فزاعات اغتيال الهامش الديمقراطى، فالهامش الكاذب هو الذى يغتال البقية الباقية من شرف المهنة.
الإعلام المحترم هو الذى يعلى شأن الحرية والممارسة الديمقراطية، ويقود وعى الجماهير إلى الاستخدام السليم للوسائل التكنولوجية، وفى صدارتها سوشيال ميديا، ففى عصر تصعب فيه الرقابة والغلق والمنع، أصبحت القوانين الرادعة هى الحل، القوانين، التى توسع دوائر الممارسة الديمقراطية، وتحفظ الحريات الشخصية، وتصون أعراض الناس، ولا تدعى عليهم كذبًا وزورا وبهتانًا.
لم يعد المصريون اليوم، هم أنفسهم الذين نشاهدهم فى أفلام السينما، أبيض وأسود، فقد اختلفوا وتغيروا ودخلت على الشخصية المصرية ملوثات كثيرة، أهدرت القيم الأخلاقية والسلوكية، ويلجأون إلى الفيديوهات وصفحات فيس بوك، لنشر كثير من مظاهر الطفح الأخلاقى، التى كانت بعيدة عن أخلاقنا.
الخطر قائم ولن ينجو منه أحد، فكل منا يمكن أن تناله السهام الطائشة.. وإذا لم يتم التنظيم الشامل لأسواق سوشيال ميديا العشوائية، فالأخطر قادم.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
منصات الطفح الاعلامي
هل توجد منصات للطفح الإعلامي في الغرب وهل كثرة البلاعات هي السبب ...
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الفقر
ناس فاضيه والفقر يعمل بلاوي...