لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نتجاهل التقارير الإعلامية والصحفية التى تتحدث عن محاولة أمريكا المستمرة للسيطرة على منابع النفط فى كل أنحاء المعمورة، وربما ما كتبه الكاتب والباحث عبدالكريم الحمودى تحت عنوان «خطط أمريكية حثيثة للسيطرة على منابع النفط فى العالم»، يدلل أن أمريكا لا تترك مكانا فيه رائحة النفط إلا وذهبت إليه، والدليل أن الكاتب عبد الكريم حمودة فجر مفاجأة عندما كشف عن الطمع الأمريكى فى النفط الأفريقى، حيث يقول فى دراسته التى نشرت فى أغلب الدوريات العالمية: أن أمريكا كثفت خلال الفترة الماضية من اهتمامها بنفط القارة الأفريقية بحجة تنويع مصادرها من الطاقة وتقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط المعرض لجملة من المخاطر، ويرى الخبراء أن الهدف الرئيس للحملة الأمريكية، بالإضافة إلى الاستحواذ على النفط الأفريقى، هو زيادة الضغط على الدول المصدرة للنفط لزيادة إنتاجها لخفض الأسعار وإيجاد حالة من الانقسام بين الدول المنتجة، فعلى الرغم من أن حجم الواردات الأمريكى من النفط الأفريقى لا تتجاوز 15 فى المائة أغلبها من دول أوبك خاصة نيجيريا سابع أكبر مصدر للنفط فى العالم فإن احتياطات القارة لا تتجاوز 6 فى المائة من الاحتياطات العالمية.
أن اهتمام الولايات المتحدة الكبير بالقارة الأفريقية ومشاكلها يعود إلى مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولتحقيق هذه الأهداف رصدت فى مطلع العام 2000 مبلغ 5 مليارات دولار لتمويل مشاريع مشتركة مع بلدان شمال أفريقيا، وزادت اهتمامها أيضاً بمشكلات بلدان وسط وغرب أفريقيا السياسية والاجتماعية منها، كما قدمت مساعدات بقيمة 200 مليون دولار لمكافحة مرض الإيدز المستشرى فى بلدان القارة المختلفة، وهى من وراء ذلك إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن منها:
أولاً: وضع اليد الأمريكية على مخزونات القارة السوداء من النفط وخاصة فى المناطق الغربية المطلة على المحيط الأطلسى، ومما أغرى الولايات المتحدة زيادة الكميات المكتشفة فى غرب أفريقيا ذلك أن سبعة من أصل ثمانية مليارات برميل نفط اكتشفت عام 2001 فى العالم، تقع فى غرب أفريقيا. وتم اكتشافها بواسطة التنقيب فى عمق البحار، الأمر الذى دفع شركات نفطية أمريكية عملاقة، مثل إكسون - موبيل وشيفرون، لإقامة فروعاً ضخمة لها خلال السنوات الأخيرة فى خليج غينيا الاستراتيجى.
ثانياً: الحصول على النفط بأسعار مخفضة ذلك أن النفط الأفريقى يتمتع بميزات متعددة بالنسبة للولايات المتحدة فالساحل الغربى لأفريقيا يقع على مسافة قريبة نسبياً من الساحل الشرقى للولايات المتحدة، ونفقات الشحن أقل من نفقات شحن النفط من الشرق الأوسط، وبحر قزوين وروسيا وغيرها من مناطق الإنتاج فى العالم، كما أن طرق الشحن البحرية أكثر أماناً من طرق الشحن من الخليج.
ثالثاً: تنويع مصادر الولايات المتحدة من النفط ففى الوقت الحالى تأتى الكميات المستوردة من أربع مصادر رئيسة هى كندا فى المرتبة الأولى بواقع 108 ملايين برميل يومياً، والثانية المملكة العربية السعودية بواقع 104 ملايين برميل يومياً، والثالثة المكسيك 104 ملايين برميل، والرابعة فنزويلا بواقع 104 ملايين برميل، والخامسة نيجيريا 900 ألف برميل أو ما نسبته 9.7 فى المائة من إجمالى الواردات الأمريكية من النفط الأجنبى، وتستورد الولايات المتحدة من مجمل القارة الأفريقية نحو 15 فى المائة من استهلاكها ومع المتوقع أن ترتفع هذه النسبة فى المستقبل إلى 20 فى المائة وقد تتضاعف إلى 30 فى المائة فى عام 2020.
رابعاً: إحكام سيطرة الولايات المتحدة على مخزونات النفط العالمية إلى جانب سيطرتها العسكرية وهو ما يسهل تحكمها فى الاقتصاد العالمى واقتصاديات الدول المنافسة بشكل أكبر، فاليابان تستورد 98 فى المائة من احتياجاتها النفطية، فيما تستورد أوروبا 52 فى المائة من احتياجاتها النفطية، لذلك فليس من المستغرب أن الاضطراب الذى يشهده الشرق الأوسط فى الوقت الحاضر مرجعة سعى الولايات المتحدة للسيطرة على النفط العراقى ثانى أكبر الاحتياطات العالمية، وستزداد أهمية النفط فى المستقبل إذا علمنا أن الاستهلاك العالمى للطاقة سيرتفع حتى عام 2020 بمعدل 59 فى المائة.
خامساً: إيجاد أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية وتوسيع القديمة منها فى القارة بعد تراجع معدلات التجارة مع الدول العربية بسبب المقاطعة، وقد قدرت مساعدة وزير التجارة الأمريكى لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مولى وليامسون» نسبة انخفاض المبادلات مع الدول العربية بما بين 20 و26 فى المائة خلال العام الماضى، بسبب المقاطعة الشعبية الواسعة للسلع الأمريكية، كما لوحظ انخفاض نصيب الولايات المتحدة فى السوق الأفريقية، فقد جاء فى تقرير لوزارة التجارة الأمريكية أن حجم التبادل التجارى مع أفريقيا فى العام 1996 لم يتجاوز تسعة مليارات دولار مع 12 دولة فقط فى شرق وجنوب القارة.
وللحديث بقية إن شاء الله