أكرم القصاص

موت السياسة بين اليسار واليمين

الخميس، 24 أغسطس 2017 07:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما كتبت عن «أزمة اليسار وليس أزمة رفعت السعيد»، كنت أقرأ واقعا تعيشه الأحزاب والقوى السياسية بالفعل، وضربت أمثلة بعدد ممن غادروا حزب التجمع لخلاف مع الدكتور السعيد وأسسوا أحزابا لم ينجح أى منها فى إثبات صحة وجهات نظرهم، والهدف هنا ليس الدفاع عن السعيد أو انتقاد خصومه، لكنه إثبات واقع يهرب منه كثيرون ممن يعملون فى العمل السياسى، ويسعى كل منهم دائما للبحث عن شماعة يعلق عليها فشله أو تعثره، أو يكتفى بلعب دور بطولى على مواقع التواصل بحثا عن «لايكات» وليس عن مواقف.
 
ويعترف المختلفون والمتفقون مع رفعت السعيد أنه ترك إنتاجا ضخما من الكتابات والمؤلفات، سار الرجل للأمام، وترك خصومه خلفه مجرد رد فعل فقط، وفى الصحافة والكتابة والأفكار هناك «الأرشيف»، وفى هذه النقطة ترك الدكتور رفعت السعيد عشرات الكتب وآلاف المقالات، بينما أغلب من شتموه قبل أو بعد رحيله ليس لدى أى منهم إنجاز سوى الشتائم، ليس لديهم مثلا وجهات نظر يختلفون فيها مع ما كان يمثله أو يطرحه، وهذه الظاهرة تتضح أكثر من اتساع مواقع التواصل، حيث تظهر بشكل أكبر أمراض الادعاء الباطل.
 
ثم إن التيارات السياسية عموما واليسار على وجه الخصوص تعانى من الانشقاقات والتفتت، فضلا عن مرض «المزايدة» والادعاء والشعارات الوهمية الرنانة بلا تنفيذ، فضلا عن فيروس التخوين والتشكيك وإطلاق الاتهامات، وهى أمراض كانت دائما عناوين لمعارك انتهت بانشقاقات.
 
ومن عايشوا الفترة بعد 25 يناير، يمكنهم التقاط نتائج هذا المرض، فقد كان الشارع متأهبا لتقبل طرح أفكار أو خطوات من اليسار بتنوعاته، خاصة أن المطالب الرئيسية كانت العيش والعدالة الاجتماعية، لكن ما جرى أنه فى أعقاب فتح الباب للأحزاب السياسية ظهر ما يقرب من عشرين حزبا ترفع نفس الشعارات والبرامج الاشتراكية والاجتماعية، من دون اختلافات، وتحولت فكرة التعدد إلى تشتت، وهى آفة انتقلت إلى باقى التيارات، لدرجة أن هناك على الورق ما يتجاوز الـ100 حزب، لا يمكن لمواطن أن يذكر منها عشرة على أفضل الأحوال، إذا واجهها أحد سوف يقدم أصحابها عشرات التفسيرات عن التضييق والعجز عن التحرك، وهى نفس التبريرات التى سادت قبل 25 يناير، لكنها ظلت مجرد تبريرات غير مقنعة، تتجاهل الأسباب والعوامل الأساسية.
 
أزمة السياسة وانصراف الناس عنها لا تتعلق بنا فقط، لكنها تتعلق بقوة العولمة التى تغير من مفاهيم مستقرة، وتهدم الكثير من النظريات التى عاشت لقرون، ولعل نتائج انتخابات الرئاسة والأحزاب فى أمريكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا تشير إلى أن القدرة على الحشد لا علاقة لها بالقدرة على التأثير، وتراجعت الأحزاب التقليدية لصالح تنظيمات عمرها سنوات قليلة.. وقد كتب «لوك فيرى» فى كتابه «أجمل قصة فى تاريخ الفلسفة»، أن منطق المنافسة الخاص بالعولمة أفقد منظومة المثل التقليدية الروحية والوطنية والثورية قدرتها السابقة على الإقناع، هم يحاولون تفسير ما يجرى بشكل جديد، بينما لدينا زعامات بلا سياسة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة