وزير الداخلية الألمانى اتخذ قرارا مهما أمس الأول، الجمعة، بإغلاق أكبر منصة على الإنترنت لليسار فى ألمانيا، وذلك على خلفية اندلاع أعمال عنف على هامش قمة مجموعة العشرين الأخيرة، مؤكدا أنه سيتصدى بقوة لمتطرفى اليسار والجماعات والأفراد، الذين سيلجأون لأعمال عنف!!
وتأسيسا على هذا الإجراء نسأل: لماذا تغضب أمريكا وبريطانيا وألمانيا، وغيرها من الدول الأوروبية، عندما تتخذ مصر إجراء قانونيا بإغلاق منصات إعلامية لجماعات وحركات إرهابية، ثبت بكل الأدلة والبراهين تورطها فى جرائم قتل وحرق وتفجير وتخريب؟ ولماذا تدشن هذه الدول قوانين حقوق الإنسان ولا تطبقها فى بلادها، وتبحث عن تطبيقها فى مصر فقط؟
رأينا جميعا، ومنذ أن طالت العمليات الإرهابية قلب هذه الدول، كم من القوانين والقرارات المتشددة، التى اتخذتها بما فيها القوانين، والتى كثيرا ما هاجمت مصر بسببها، ووصفها بأنها جائرة، مثل فرض حالة الطوارئ، وهو ما يؤكد أن هذه الدول تتغنى وتترنم بنعيم الحرية والديمقراطية كشعارات وعند أول حادث تتعرض له، تدوس هذه الشعارات بأقدامها، وتتخذ من الإجراءات الخطيرة حماية لأمنها الداخلى الكثير.
هذه الدول، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا، يتخذون من المنظمات الحقوقية أدوات حقيقية للتدخل فى شأن الدول، خاصة مصر، ولفتنا النظر فى مقال، أمس السبت، ونلقى الضوء اليوم على أن هذه المنظمات ما هى إلا أذرع استخباراتية، تعمل على زعزعة استقرار الدول المستهدفة.
خد عندك، المعهد الجمهورى والمعهد الديمقراطى الأمريكيان، وهيومان رايتس ووتش، وكارنيحى، وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية، لعبت دورًا محوريًا فى استغلال ما يطلق عليه اصطلاحًا ثورات الربيع العربى، ووظفتها لتنفيذ مخططات إسقاط الدول وتقسيمها فى إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير.
بل وفى إطار الوثيقة التى أعدتها جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل الأسبق سنة 1959، عندما كانت تشغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلى للشؤون الأفريقية حينذاك، وتضمنت ضرورة تقسيم الدول العربية، خاصة التى تمثل لإسرائيل تهديدًا حقيقيًا، مثل مصر وسوريا والعراق، من أجل أن تعيش تل أبيب فى أمن وأمان، وتبنت أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا هذه الوثيقة، وعهدت بها للمنظمات المشبوهة لتنفيذ بنودها.
ونظرًا لاكتشاف الدور القذر الذى لعبته المنظمات الحقوقية الأمريكية والأوروبية فى مصر تحديدًا، واكتشاف أمرها، وأصبح الشارع المصرى يكره أن يسمع مجرد اسمها، قررت أن تعيد نشاطها تحت مسميات أخرى، وتختار مقرات لها بعيدًا عن موطنها الأصلى، أمريكا وأوروبا.
وجدنا هذه المنظمات خلال الفترة الماضية تغير اسمها، وتتخذ من جنوب أفريقيا مقرًا لها، إمعانًا فى إقناع من تجندهم من المصريين بشكل خاص، والعرب بشكل عام، تحت عناوين دورات تدريبية، واختارت موضوعات جميعها تصب فى مصلحة جماعة الإخوان الإرهابية.
وخلال الأشهر الماضية، استطاعت هذه المنظمات تنظيم دورات تدريبية تحت اسم «المصالحة»، واختارت عددا من الدول فى أفريقيا وآسيا، منها على سبيل المثال، دولة جنوب أفريقيا لاستضافة المشاركين فى هذه الدورات، وجاء اختيار جنوب أفريقيا تحديدًا لتكون مدخلًا مهمًا بمثابة دس السم فى العسل.
فمن المعروف أن جنوب أفريقيا شهدت مصالحة بين السود والبيض، ومن ثم كانت الفكرة الجهنمية لهذه المنظمات أن تتخذ من تلك المصالحة مدخلًا مهمًا ومحوريًا للتطرق إلى ضرورة المصالحة بين جماعة الإخوان الإرهابية والنظام فى مصر، وإعادة دمجهم من جديد فى الحياة السياسية.
ولم تكتفِ المنظمات بهذا التغيير التكتيكى، إنما قررت تغيير استراتيجيتها فى توسيع دائرة مفهوم تجنيد الشباب، وإخضاعهم لعمليات غسيل مخ، فبدلًا من أنها كانت تستعين بالشباب فى الفئة العمرية ما بين 25 عامًا و35 عامًا، قررت توسيع القاعدة، والاستعانة بالشباب فى الفئة العمرية 16 عامًا، وهو السن الخطر، القابل لتغيير المفاهيم لديه بكل قوة.
هذا التكتيك الجديد يؤكد أن مخططات الدول الرامية لإثارة الفوضى فى البلاد لن تتوقف، وأن «جراب» المنظمات ممتلئ عن آخره بكل أنواع المؤامرات، ومن بينها التركيز على تجنيد الشباب فى الفئة العمرية 16 عامًا، وتنظيم محاضرات له، تتضمن أفكارًا تحض على التمرد، ورفض الواقع، وإعلان العداء الشديد لأسرته ومن حوله من دائرة الأقرباء، واتهامهم بالجهل والتخلف والرجعية.
ويبدأ الشاب فى إعلان العصيان والتمرد وكسر التابوهات، سواء فيما يتعلق بقدسية الأديان، أو العادات والتقاليد، والقيم الأخلاقية، ثم تفريغ ما بداخله من انتماء للأسرة والمجتمع والوطن، وزرع- بدلًا منها- الحقد والكراهية، والسخط على كل ما يدور حوله.
المنظمات الحقوقية تلعب حاليًا دورًا خطيرًا للغاية، وتغير من طريقة عملها ونهجها كما تغير الثعابين جلدها بشكل دائم وسريع، لتتكيف مع كل الظروف السياسية من ناحية، وإمعانًا فى الخداع الاستراتيجى من حيث الشكل والمضمون.
مخاطر المنظمات الحقوقية تفوق المخاطر العسكرية الاستعمارية فى أوائل القرن الماضى، وأنها جزء رئيسى من تكتيكات الحرب ضد الشعوب، بعيدًا عن الحروب العسكرية التقليدية.