كما قلت وأكدت كثيرا أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 أحدثت انقلابا خطيرا فى كل مناحى الحياة الامريكية ومنها العقيدة العسكرية التى تبلورت معالمها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتقوم العقيدة العسكرية على ثلاث ركائز هم: أولاً، المركزية الأمريكية، أى العقيدة القائلة باستخدام القوات لما فيه مراعاة للمصالح الوطنية الأمريكية. ثانيا: السيطرة العالمية أو القدرة على إيصال قواتها إلى أى مكان وفى أى زمان.
ثالثا: التفوق الدائم، بمعنى اللجوء إلى العلم والتكنولوجيا والموارد الاقتصادية تأمينا للغلبة الدائمة للقوات المسلحة الامريكية، ولقد ركزت الدراسة التى أعدتها الباحثة مروة محمد عبدالحميد عبدالمجيد فى دراستها التى حملت عنوان «التغير والاستمرار فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر» على عدة نقاط لكى تصل إلى هذا التغير فى المجال العسكرى من خلال عدة نقاط هى: أولا: الانفراد بالتفوق العسكرى المطلق بما يحقق السيطرة الاستراتيجية الكاملة. وهى تعنى إحداث ما يسمى بـ«الثورة فى المسائل العسكرية أى توظيف هذه التقنيات الجديدة لتحقيق «تفوق نوعى على الخصم» يتيح ضمان مبدأ «السيطرة الاستراتيجية» فنجد أن جوهر العقيدة العسكرية الجديدة يتمثل فى امتلاك قوة ردع لتحرير الأمريكيين من الاعتماد على الحلفاء الأوروبيين، الانتصار على قوّتين تهاجمان الولايات المتحدة، (أى مسرحين للحرب)، خوض هجوم مضاد قوى، احتلال عاصمة بلد معاد وإقامة نظام جديد فيها.
وهذا يعنى حدوث تعديل مهم فى العقيدة العسكرية التى ظلت سارية حتى ذلك الوقت، وقبل ذلك كانت أهداف السياسة الدفاعية الرئيسية قد مرت بثلاث مراحل أساسية، حسب بول مارى دولا غورس، فقبل السبعينيات من القرن العشرين كانت سياسة الدفاع الأمريكية قائمة على مبدأ الاستعداد لخوض «حربين ونصف» ذلك الذى تبناه آنذاك الرئيس الأمريكى الأسبق (ريشارد نيكسون)، ففى إطار «الحرب الباردة» حيث كانت البلدان الاشتراكية تشكل كتلة واحدة، كان من المفترض الاستعداد لحرب محتملة ضد الاتحاد السوفيتى وأخرى ضد الصين وثالثة فى الوقت نفسه ضد بلدان عدوة لا يتساوى قدرتها العسكرية بالقوتين العظميين، وضمن هذا السياق جاءت مثلا الحرب الكورية والفيتنامية أو الحملات العسكرية فى لبنان وغواتيمالا. وقد دفع النزاع الأيديولوجى بين الاتحاد السوفيتى والصين، إلى قطيعة سياسية واقتصادية بينهما، مما قاد الرئيس «ريتشارد نيكسون» إلى تبنى مبدأ «الحرب ونصف الحرب» الذى يتحسب لمواجهة رئيسية مع الاتحاد السوفيتى أو مع الصين، إضافة إلى نزاع إقليمى من النوع الذى سبق ذكره.
وبعد انتهاء «الحرب الباردة»، أصدرت إدارة الرئيس بوش الأب «رئيسا خلال الفترة 1989-1993» عام 1991 وثيقة بعنوان «نظرة إلى القدرة العسكرية الأساسية» تضمنت مبدأ جديدا بات يتوقع حدوث «نزاعين إقليميين كبيرين» والتهيؤ لهما، وحين انتخب «بيل كلينتون» رئيسا للولايات المتحدة خلال الفترة «1993-2001» أكدت إدارته على التوجه السابق عام 1993، وفى عام 1997 أطلقت وثيقة «سياسة الدفاع الرباعية» «أربع سنوات» على هذه النزاعات اسم «حروب رئيسية فى مسرح عمليات». ونجد أن رامسفيلد لم يكتف بتوسيع احتمالات النزاع من اثنين إلى أربعة «رئيسية تدور فى مسرح عمليات» بل حاول صياغة تعريف جديد للأخطار التى يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها، فجمع فى «معسكر الأعداء» نفسه «المنظمات الإرهابية» ذات «التطلعات الدولية»، والدول التى تساندها وخصوصا تلك التى يمكن أن تمدها بأسلحة الدمار الشامل «النووية والبيولوجية والكيميائية» والتى تقوم هذه الدول بتطويرها. فالخطر لا يتحدد فقط بمصدره، بل أيضا بطبيعته، فنجد أن هذه العقيدة لا تقوم فقط بإحداث ثورة فى المسائل العسكرية، بل توظيف هذه التقنيات الجديدة لتحقيق «تفوق نوعى على الخصم» يضمن تحقيق مبدأ السيطرة الاستراتيجية، فقد لاقت نظرية السيطرة الاستراتيجية التى قام واضعو الخطط العسكرية الأمريكية بصياغتها استجابة لكل أشكال النزاع، ويجرى تطبيقها بحسب طبيعة الخصم وعدده وقوته الصناعية وبنيته التحتية وحجم مدنه ولا سيما نظامه السياسى وما المطلوب القيام به لقلبه أو تحييده، فالنظرية تترك المجال واسعا أمام التجريبية فى تطبيقها، وهو ما حدث مثلا عند تنفيذها خلال حروب الخليج والبوسنة ومن بعدها فى كوسوفو.
ثانيا: صياغة تعريف جديد للأخطار التى على الولايات المتحدة مواجهتها، جمعت الاستراتيجية فى «معسكر الأعداء» نفسه «المنظمات الإرهابية» ذات «التطلعات الدولية» والدول التى تساندها وخصوصا تلك التى يمكن أن تمدها بأسلحة الدمار الشامل «النووية والبيولوجية والكيميائية» والتى تقوم هذه الدول بتطويرها، فالخطر لا يتحدد فقط بمصدره بل أيضا بطبيعته، فقامت الولايات المتحدة تدرس احتمال استخدام السلاح النووى ضد دول غير نووية، أو ردا على هجمات بأسلحة كيمياوية وبيولوجية أو عند حدوث «تطورات عسكرية مفاجئة» ذات طبيعة غير محددة، والخلاصة أن المبدأ النووى الأمريكى الجديد لا يستبعد إمكانية لجوء الولايات المتحدة قبل غيرها إلى استخدام السلاح النووى، إذا ما نشأ خطر صنع سلاح إبادة جماعية من قبل خصومها.
فنجد أن الاستراتيجية الدفاعية لم تشر فقط إلى «الأطر العامة» لاستراتيجيتها الكونية الجديدة، بل أشارت إلى إمكانية مواصلة الولايات المتحدة جهودها لبلورة قواعد محددة لعقيدتها العسكرية الجديدة تنص على الحق فى توجيه الضربة الأولى إلى الدول التى تملك أسلحة دمار شامل، وقد تحدث الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى 1 يونيو 2002 عن ضرورة القيام بعمليات عسكرية «احترازية» فى إطار «الحرب الشاملة ضد الإرهاب» وفى حديثه هذا، أعلن بوش صراحة أن الولايات المتحدة على وشك الانتقال من إستراتيجية الردع والاحتواء، إلى استراتيجية «الهجوم الاستباقى وغدا إن شاء الله نتواصل مع أمريكا والعالم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة