بخلاف ما قيل عن ملفات إقليمية وثنائية مهمة جرى التباحث بشأنها بين سامح شكرى وزير الخارجية مع نظيره الألمانى سيجمار جابرييل، خلال لقائهما الأحد الماضى ببرلين، يبقى حديث جابرييل عن أزمة مياه النيل فى غاية الأهمية، خاصة أنه يؤكد لقاعدة راسخة فى القانون الدولى تمنح مصر الحق فى رفض أى مشروعات على مجرى نهر النيل، إذا كانت ضارة بمصالح مصر المائية، أخذا فى الاعتبار أن ألمانيا تمثل قوة كبرى ليس فقط فى أوروبا، وإنما فى العالم، وكلمتها فى الملفات الدولية العالقة لها تأثير.
«سيجمار جابرييل» قال نصا: «تناقشنا اليوم بشأن قضية خلافية تتعلق بما يحدث بين دول حوض النيل، ولدينا تفهم كبير ودعم لمصر وموقف أصدقائى المصريين، إن كل ما يحدث بشأن النيل يؤثر على مصر، النيل هو قلب مصر وهو مسألة وجودية بالنسبة لها، ومياه النيل لمصر هى مثل الماء بالنسبة للجسد، مثل الدماء بالنسبة للقلب، وعلى سبيل المثال فإن أى مشروع فى نهر الراين يستلزم التنسيق بين الدول المشاطئة له، وإن أى مشروع فى أعالى النيل ينبغى أن يكون بالتنسيق مع مصر وبالتوافق معها، أى مشروعات فى حوض النيل ينبغى أن تراعى المصالح المصرية، وألمانيا مستعدة للوساطة فيما يتعلق بذلك بين الأطراف المختلفة، وأتفهم تماما الموقف الذى عبر عنه وزير الخارجية اليوم بشأن هذه القضية المركزية بالنسبة لمصر وشعبها».
الموقف الألمانى واضح جدا، ويساند بشكل قوى الموقف المصرى القانونى، ومن المهم أن تعمل الدبلوماسية المصرية على الترويج لهذا الموقف فى المنتديات والفعاليات الدولية، ليكون نواة لموقف موحد من الدول الكبرى، فمن الخطأ الارتكان لما قاله الوزير الألمانى دون أن نستفيد منه، خاصة وأننا لانزال فى معركة قانونية وفنية مع الجانب الإثيوبى خاصة بقواعد ملء وبناء سد النهضة بما لا يؤثر على حصة مصر المائية، وهو ما يتطلب ضغوطا من كافة الأطراف المعنية على الجانب الإثيوبى.
وأتذكر أن الخارجية المصرية خلال فترة الوزير أحمد أبوالغيط كانت شديدة الحرص على بناء موقف دولى مساند لمصر تجاه دول حوض النيل التى اجتمعت فى مدينة عنتيبى الأوغندية للتوصل إلى اتفاق خاص بإعادة توزيع مياه النيل ويلغى حق دول المصب «مصر والسودان» فى الموافقة أو الاعتراض على أى من المشروعات التى تنوى دول المنبع إقامتها على مجرى النيل.
ونجحت الوزارة حينها فى الحصول على وعود مؤكدة من الدول المانحة فى وقف تمويلها للمشروعات على حوض النيل، إلى حين التوصل إلى توافق حول الصيغ المقترحة، كما نجحت الوزارة وقتها بفضل الجهود الكبيرة والمميزة للوزير أبوالغيط ولطاقم العمل معه، وأيضا من خلال التنسيق المستمر بين الخارجية وكافة مؤسسات الدولة المعنية فى بناء موقف دولى مساند لمصر، وهو ما أتمنى أن تستفيد منه الخارجية حاليا، سواء من خلال استغلال الموقف الألمانى لبناء موقف دولى مساند، وأيضا بإنشاء آلية تنسيق دائمة ومستمرة بين كل مؤسسات الدولة المعنية.
إثيوبيا لاتزال تستخدم الاجتماع الكارثى الذى عقده المعزول محمد مرسى، وشهد دعوات من جانب أعضاء الجماعة الإرهابية والمتحالفين معها لشن حرب عسكرية ومخابراتية ضد إثيوبيا، واستطاعت أديس أبابا أن تحدث تحولاً فى مواقف عدد من الدول التى كانت مساندة لمصر فى قضية مياه النيل، لذلك من الضرورى أن يكون لنا آلية تحرك واضحة وسريعة وحاسمة مع الدول الكبرى، لتوضيح الموقف المصرى من جديد، لغلق كل الطرق أمام إثيوبيا.
وأعتقد أن الموقف الألمانى الأخير يمثل نواة مهمة فى هذا الاتجاه، خاصة وأننا فى هذا الملف نتحرك بمفردنا، بعدما أبدت السودان تفهمها للمزاعم الإثيوبية، وباتت الخرطوم ليست أقرب للموقف الإثيوبى، بل جزءا أصيلا منه وداعما قويا له، دون أن تنظر حتى للشواغل المصرية فى هذا الملف، ودون أن تعى أيضا أن بناء سد النهضة يمثل مصدر خطورة على السودان نفسها، وليس مصر فقط.
خلال الفترة الماضية أستطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يعيد الثقة مع الجانب الإثيوبى، لكن فى المقابل فإن ألاعيب أديس لن تتوقف، خاصة وأننا رأينا من قبل كيف وقفت دول مثل قطر وتركيا لدعم إثيوبيا فى مواجهة مصر، وهو ما جعلها تشعر ببعض القوة، حتى وإن كانت قوة زائفة، لأن من يدعمون إثيوبيا فى هذا الملف، معروفين دوليا بأنهم أدوات للهدم وليس للبناء.
أقول استطاع الرئيس السيسى أن يعيد جدار الثقة مع الإثيوبيين، ومع بقية دول حوض النيل، من خلال زياراته المتكررة لعواصم من دول الحوض وآخرها رواندا وتنزانيا، أو استقبال قادة هذه الدول فى القاهرة، وهو نهج حقق الكثير من الفوائد لمصر، أهمها إزالة الصورة السلبية التى تكونت لدى الأفارقة بناء على الاجتماع الكارثى لمرسى، وأعتقد أنه من الضرورى أن نبدأ خطة تحرك جديدة تقوم على توثيق العلاقات مع هذه الدول اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وهو ما يخطط له دوما الرئيس السيسى، باعتباره الطريق الصحيح لاستعادة العلاقات وأيضا للحماية والحفاظ على مصالح مصر.