لماذا بذل النظام القطرى كل إمكانياته لإسقاط نظام القذافى، وتحويل ليبيا إلى فوضى؟ ولماذا فعل ما فعله فى سوريا؟
كتبت، أمس، فى هذه المساحة عددا من الوقائع تكشف الطريقة التى أدار بها النظام القطرى الأوضاع فى ليبيا التى انتهت باغتيال القذافى فى 20 أكتوبر عام 2011، ثم المرحلة التى تلت ذلك حيث عمت الفوضى، وانتشر الإرهابيون، وكانت مصر تحديدا هى أكثر الأطراف المتضررة، حيث تواصلت عمليات تهريب السلاح من ليبيا إلى الإرهابيين أثناء حكم جماعة الإخوان، وكان ذلك هو بالضبط ما أراده النظام القطرى.
كان المشهد الإقليمى فى الفترة التى حكم فيها الإخوان مصر معبرا عما تريده قطر من ليبيا، ولما انتهى هذا الحكم عبر المشهد أيضا عما تريده قطر من ليبيا، فى مرحلة حكم الإخوان بدا أن المخطط للمنطقة هو مشروع إقليمى يكون لتركيا الكلمة العليا فيه، وتكون أطرافه مصر وتونس وليبيا وسوريا، ولهذا ارتمى الإخوان فى كل هذه البلدان فى الحضن القطرى والتركى، وكان لمصر وضعها الخاص فى هذا المجال، فوجودها بوزنها التاريخى والحضارى يعنى دفعة قوية لنجاح هذا المشروع، وكان من اللافت وقتها أن النظام القطرى هو صاحب الكلمة العليا فى الملف الاقتصادى المصرى، وكان القبلة التى يتجه إليها قادة جماعة الإخوان ومن يدور فى فلكها، ولنتذكر فى ذلك زيارات خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة التى لم تقتصر على الدوحة وفقط وإنما شملت تركيا، وكان حديثه اقتصاديا خالصا بشأن هذه الزيارات.
وتزامن مع ذلك اندفاع مرسى وجماعته فى الملف السورى بطريقة داعمة للجماعات الإرهابية التى دخلت الأراضى السورية من كل مكان عبر تركيا، وبلغ الأمر فى ذلك حد قيام الجماعة وأتباعها بتنظيم مهرجان فى استاد القاهرة لمساندة ما سموه بـ«الجهاد» فى سوريا، وفيما أعلن مرسى قطع علاقات مصر الدبلوماسية معها، كان رجاله يتباهون فى أنهم ينظمون دخول الإرهابيين والسلاح إليها، وهناك تصريح شهير حول هذا الأمر قاله صفوت حجازى وأعلن صراحة أنه يقوم بهذه المهمة، وكانت التساؤلات: لصالح من يقوم بهذه المهمة؟ ومن يساعده فيها؟ وعلى نفس النهج قال حازم أبوإسماعيل هو الآخر تصريحا مماثلا لما قاله حجازى.
كان حاصل هذا الملف تحديدا معبرا عن أشياء كثيرة فيما يتعلق بالإرهاب وحدوده وأهدافه، وبالمشروع السياسى المرسوم للمنطقة، ولأن سوريا هى البوابة الشرقية لأمن مصر القومى، فإن هدف الإخوان والجماعات الإرهابية كان إخضاعها للمشروع الذى سيحقق لتركيا حلم الخلافة ويحقق للنظام القطرى حلمه بأن يكون صاحب الكلمة العليا فى المنطقة، ولأن مصر هى التى تستطيع إفساد هذا الحلم، فإنه كان من الضرورى بل من الحتمى، أن يتم إخضاعها وذلك عبر زمرة تحكم وتسلم تماما بالأجندة القطرية، ومن هنا جاء حكم جماعة الإخوان.
ومن هنا يأتى فهمنا لتركيز كل الذين يستهدفون مصر على حدودها، ولأن ليبيا هى حدود مصر الغربية فإن النظر إليها لا ينفصل أبدا عن النظر لمصر، واللعب فيها يعنى اللعب فى أمن مصر، ولهذا فإن العداء القطرى التركى لـ30 يونيو ليس له علاقة بالديمقراطية، وإنما علاقته الأصلية بالمشروع السياسى والاقتصادى الذى كان معدا للمنطقة.