فى مؤتمره الذى عقد يوم الخميس الماضى بعدد من الأئمة والدعاة بديوان محافظة الأقصر، قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن الوزارة تسيطر على المساجد الكبيرة والصغيرة فى مختلف أنحاء الجمهورية، مشددا على أنه يجب عدم ترك أى واعظ يخطب الجمعة أو يقدم دروسا دينية إلا بتصريح رسمى من الوزارة أو المديرية حفاظا على المنابر من دخول أصحاب الأفكار المتطرفة والإرهابية، مشددا على أهمية تنفيذ تعليمات الوزارة بكل قوة، ثم توعد كل من يخالف هذه القواعد بعقوبات تصل لخصم 3 شهور من الراتب والنقل من المحافظة إلى المناطق النائية مثل سيوة أو العريش».
انتهى تصريح السيد الوزير «مختار جمعة»، وفى الحقيقة فإنه يجب أن نتوقف كثيرا أمام هذا التصريح ليس فيما يتعلق بأهمية الخطابة بترخيص، ولا أهمية محاربة الأفكار المتطرفة، وإنما أمام نظرته لمحافظات مصر الواعدة التى يتبارى المجتمع فى وصفها بالعديد من الصفات السلبية والتى ترسم فى النهاية صورة ذهنية بالغة القسوة لمحافظات تتمتع بالكثير من الإمكانيات والكثير من المميزات.
اسمها محافظات واعدة، وليست محافظات نائية، وليست عقوبة على أية حال، ويجب علينا أن نغير تلك النظرة السلبية لهذه المناطق، لأن نظرتنا هذه إلى هذه المحافظات كرست على مدى عشرات السنوات لحالة من الكراهية غير المبررة، كما أسهمت فى خلق حالة من الفزع تجاهها، وهو ما انعكس بالسلب أيضا على أبنائها، وبدلا من استغلال إمكانيات هذه المحافظات فى تطوير مصر وتحديثها وتعميرها، أصبحت هذه المحافظات مثل المنفى لأننا لا نرسل إليها متميزين وإنما نرسل إليها المخالفين، كل كبيب فاشل نرسله إلى سيوة، كل مدرس مخالف نرسله إلى العريش، والنتيجة أن تتفاقم مشكلات الصحة والتعليم، وتضعف أزرع الدولة، فنقع فى العديد من المشكلات الأمنية والثقافية والاجتماعية.
أنا عشت فى سيناء عدة سنوات، وللأسف لم أعش فيها باختيارى، وإنما عشت فيها مجبرا، ففور تخرجى فى كلية الآثار ذهبت إلى المجلس الأعلى للآثار بحثا عن عمل، فقال لى المسؤولون: «لا توجد أماكن شاغرة إلا فى سيناء» فذهبت واستلمت العمل وعشت سنوات من أروع سنى حياتي، وطوال عملى فى سيناء لم أر فيها ما يجعلها «عقوبة» أبدا، بل على العكس تماما، أراها هبة من الله للبشر، ومنذ أن تركتها منذ عشر سنوات وأنا أحلم باليوم الذى أعود إليها فيه وأستقر بها لأنى أعرف أنها أجمل بلاد الأرض، ومن العيب أن ينظر أعداؤها إلى هذه البقاع الفاتنة باعتبارها «جنة الله على الأرض» أو «أرض الميعاد» بينما ننظر نحن إليها باعتبارها «عقوبة».