لا خلاف على أن الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، أحدث طفرة نوعية فى شهور قليلة تولى خلالها المسؤولية، فالرجل لديه خبرات نظرية وعملية كثيرة، مكنته من أن يبدأ فور حلفه اليمين الدستورية، أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى تنفيذ ما كان يحلم به، وأيضا ما طلبه منه الرئيس، واستطاع الوزير أن يمر من مطبات كثيرة، أهمها على الإطلاق مطب الثانوية العامة، التى حصل فيها على درجة الإجادة التامة.
وزاد على ذلك أن الوزير لم يستسلم للواقع المؤلم للتعليم فى مصر، بل تحداه من خلال استراتيجية تعليمية متكاملة، سيكون لها تأثير إيجابى بالغ الأهمية مستقبلاً، خاصة أن التعديلات التى يجريها الوزير حالياً لا تركز ولا تهتم بالشكل بقدر اهتمامها بالمضمون، ومحاولة بناء منظومة تعليمية قادرة على تلبية احتياجات الدولة، ورفع المعاناة عن كاهل الأسر المصرية، وأكثر ما يعجبنى فى الاستراتيجية الجديدة أنها تسير بالتوازى مع إجراءات أخرى، فهناك نظام جديد للثانوية العامة، واهتمام برفع قدرات المدرس، وإنشاء مدارس حديثة، وأخرى تأخذ من التجربة اليابانية نموذجاً لها، ومدارس للمتفوقين علمياً، وغيرها من التحركات المهمة والجادة، التى ستصل بنا إلى طريق كنا نبحث عنه طويلاً، وهو رفع جودة التعليم المصرى، خاصة أن النظام التعليمى المصرى عانى خلال السنوات الماضية من تشوهات أدت إلى وصوله إلى مرتبات متدنية فى كل التصنيفات الدولية، وأثر بشكل سلبى على خريجى الجامعات المصرية أيضاً.
لكن كل ما أطلبه من الوزارة أن تهتم بشكل أكبر بالمدارس الخاصة، خاصة أن بعضها تحول إلى مافيا، ويكفى هنا أن أشير لما قاله وزير التعليم الأسبوع الماضى، بشأن وجود مدارس خاصة تُمارس البلطجة على أولياء الأمور، وقوله: «نحتاج جيشا من المراقبين لمتابعة 6800 مدرسة خاصة ودولية فى مصر، كما أن إغلاق المدرسة المخالفة معاقبة لولى الأمر والطالب، وندرس استبدال هذه العقوبة بفرض غرامات مغلظة جدًا، وهو الأمر الذى لن يتضرر منه ولى الأمر بمليم واحد».
اعتراف الوزير ببلطجة المدارس الخاصة، يؤكد الشكوى الدائمة من أولياء الأمور، أن المدارس الخاصة دائماً ما تتلاعب بقرارات وزارة التربية والتعليم، وتحدد المصروفات كل عام، وفقاً لأهواء ملاك هذه المدارس، دون أى التزام بقرار وزارى أو تعليمات، ولديهم سلسلة طويلة من الأساليب التى يستطيعون من خلالها الهروب من المسؤولية، لكن الجديد هذا العام أن مافيا المدارس الخاصة تتلاعب بأعصاب أولياء الأمور، فى قبول طلاب جدد، ويتلكأون دوماً بموضوع «كثافة الفصول»، والسبب أنهم يدفعون أولياء الأمور لطرق الأبواب الخلفية، إما بزيادة المصروفات المدفوعة للمدرسة، أو دفع تبرع للمدرسة، أو البحث عن واسطة.
المدارس الخاصة فى مصر تحتاج لرقابة مشددة من وزارة التربية والتعليم، وكنت شاهداً على وقائع خاصة ببعض المدارس، التى أدمنت الطرق الخلفية لجنى الأموال غير الشرعية من أولياء الأمور، وأيضاً الرغبة الدفينة لدى بعض ملاك هذه المدارس فى إذلال أولياء الأمور، وغيرها من الأمور التى يجب أن يكون للوزارة دور فيها، خاصة أن بعض المدارس يديرها أصحابها بعقلية المكسب والخسارة المالية، دون النظر إلى القيمة التعليمة والتربوية التى من المفترض أن يقدمها للطلاب، آخذاً فى الاعتبار أن مسؤولى الإدارات التعليمية يعلمون جيداً هذه الوقائع لكنهم للأسف لا يملكون شجاعة التحرك لمواجهة هذه المافيا.
فى الجيزة على سبيل المثال الوضع مأساوى ولا يحتمل، ويتطلب تدخلا مباشرا من الوزير لوقف الانتهاكات التى يمارسها ملاك هذه المدارس ضد التلاميذ والمدرسين أيضاً، فالكثير من هذه المدارس تتعاقد مع المدرسين براتب شهرى ضئيل جداً، مقابل أن تفتح له أبوابا خلفية للدروس الخصوصية، وهو ما يؤكد أن الدراسة فى هذه المدارس وصلت إلى درجة متدنية، لأن ملاكها كما قلت كل هدفهم المكاسب المادية فقط، فهم لا يهتمون بالمدرسين ولا قدراتهم التعليمية ولا التربوية، المهم أن يتحصلوا على المصروفات من أولياء الأمور فى بداية العام الدراسى.
القاهرة أيضاً وبقية المحافظات ليست ببعيدة عن هذه المهازل، فالمرض متوطن فى العديد منها، ويتطلب تدخلاً سريعاً من الوزارة ليكون لها سلطة مباشرة على هذه المدارس، حتى تؤمن مستقبل أبنائنا، وفى نفس الوقت تحمى الأسر المصرية من استنزاف أموالها بهذا الشكل غير القانونى، على يد مافيا لا تراعى ضميرها مطلقاً.
نعم هناك مدارس خاصة لها تاريخ طويل من الكفاءة، لكن للأسف الشديد تاهت وسط معدومى الضمير، ممن هم بحاجة ليكونوا تحت الرقابة الشديدة والمباشرة، خاصة أن أعداداً كبيرة من طلابنا وتلاميذنا يلجأون للمدارس الخاصة لأسباب مختلفة، أهمها زيادة الكثافة فى المدارس الحكومية، وعدم قدرة المدارس الحكومية على استيعاب كل التلاميذ، فتكون المدارس الخاصة هى البديل، ورغم عدم امتلاكى لإحصائية عن عدد المدارس الخاصة على مستوى الجمهورية أو المقبولين بها، لكنى أعتقد أنها لا تقل عن نسبة %30 من حجم المدارس، وهو ما يؤكد أهمية الاهتمام بها ووضعها تحت الميكروسكوب بشكل دائم.
أتمنى أن يكون للوزارة إشراف مباشر على اختيار المدرسين فى المدارس الخاصة، ليكونوا على قدر من الكفاءة والمسؤولية يمكنهم من التدريس، وأيضاً يكون هناك متابعة دورية لكل المسائل الإدارية فى هذه المدارس لمعرفة معايير القبول فى هذه المدارس، ومتابعة المصروفات المطلوبة من أولياء الأمور، لأننا فى النهاية نبحث عن منظومة تعليمية متكاملة، تصل بنا إلى خريج على مستوى عالٍِ من الثقافة والقدرة، التى تمكنه من العمل.