جمال أسعد

مكافحة الإرهاب وقبول الآخر

الإثنين، 07 أغسطس 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شىء مقدر أن يصدر قرار جمهوريى بتشكيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب والتطرف والذى يرأسه رئيس الجمهورية وبعضوية رؤساء الوزراء والبرلمان وشيخ الأزهر والبابا وعدد من الوزراء مع بعض الشخصيات العامة، حيث إن الإرهاب سواء كان فكراً أو فعلاً يعتمد فى الأساس على رفض الآخر وعدم قبوله سواء كان هذا الآخر مماثلا دينيا أو مختلفا، حيث إن الإرهابى والمتطرف هو ذلك الذى لُقن ورُبى وجُهز عن طريق عملية غسيل المخ على أرضية أن فِكره وما يؤمن به هو الحقيقة المطلقة التى لا تقبل نقاشاً أو حواراً. فما بالك إذا كانت هذه العملية وتلك التربية قد اعتمدت على أهم ما يثير الإنسان وهو الدين، فالتبرير والمدخل أن الإرهابى يدافع عن الدين ويجاهد لنصرته، وهنا تكون الحياة رخيصة خاصةً إذا كان البديل هو تلك الجنة وما فيها من متاع حسب المفهوم المادى للجنة وليس المفهوم الروحى الذى يقول إن الجنة هى ما لا عين رأت عين ولا أذن سمعت ولا خطر على عقل بشر، وهذا يعنى أن هذه التربية وذلك التلقين قد اعتمد على النقل لا العقل ووهم امتلاك الحقيقة المطلقة إسقاطا للحوار ورفضا للآخر.
 
وهذا يعنى أن مهمة هذا المجلس ثقيلة وصعبة حيث إن النتائج لن تأتى سريعا، فالذى جاء تاريخيا لابد أن يغير تاريخيا، وهذا معناه أن عمل هذا المجلس هو إعادة التربية الدينية حسب فكر دينى صحيح يعتمد على المقاصد العليا للأديان ولا يعتمد على حرفية النص ولا يسقط عاملى الزمان والمكان فى التفسير، وهذا لا يكون بمزيد من التدين الشكلى الذى نعيشه الآن، ولا يكون عن طريق من يتاجرون بالأديان وهذا معروف طوال التاريخ، ومنذ أن وجد الإنسان.
 
 نريد فكرا دينيا يجعل الإيمان واقرا فى القلب ويصدقه العمل، فكرا دينيا يقبل الآخر، حيث إن التعددية الدينية هى إرادة إلهية وحكمة سماوية أرادها الله ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ والله الذى أراد التعددية هو الذى سيحكم عليهم وليس البشر الذين يتوهمون أنهم أوصياء وحماه للدين، «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا»، «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» وهذا الفكر الدينى الصحيح لن يكون عن طريق المؤسسات الدينية فحسب ولكن فى كل مناحى الحياة التعليمية والإعلامية والثقافية. فلا يمكن لفكر دينى يقبل الآخر ولا يجد التلميذ فى المدرسة، وهى الأداة المهمة لتكوين وانصهار الشخصية المصرية فى البوتقة الوطنية والتى تُوجد الانتماء الحقيقى للوطن، غير التفرقة والتمييز بينه وبين الآخر فى طابور الصباح وحصة الدين وطوال اليوم الملصقات الدينية تحيط المكان (ولا مكان للآخر). أين الآخر فى الإعلام وهو يتجاهل الشخصية القبطية التى لم ينتبه إليها درامياً أحد قبل المبدع أسامة أنور عكاشة. نعم نرى الآن هذه الشخصية مقحمة ومصنعة ومفروضة على السياق الدرامى أو نرى شخصية قبطية مثالية كنوع من المجاملة أو الخوف من الكنيسة وجوقة الأقباط المتاجرين بالقضية.
 
هنا وفى غياب شخصية الآخر يتم تكريس الوحدانية وإسقاط التعددية فالمسلم من الطبيعى أن يشعر أنه هو صاحب هذا الوطن والآخر غريب. والمسيحى يشعر بأنه مهمش ولا وجود له الشىء الذى يسقط الانتماء للوطن ويستبدل به الانتماء للكنيسة وهذا هو المدخل للاختراق ولتنفيذ المؤامرة، وكل هذا بالطبع لا يتم بعيداً عن الثقافة بكل أنواعها وبشتى أساليبها، فهى البديل الصحيح لتربية وطنية فى مواجهة ذلك التلقين وتلك النشأة الإرهابية، ولذا لا نعلم لماذا لم يمثل وزير الثقافة فى هذا المجلس، فوزارة الثقافة وفروعها الثقافية على مستوى الجمهورية منوطة بالقيام بدور مهم فى مواجهة الإرهاب آنياً ومستقبلاً، فهل نؤمن وندرك أهمية هذا المجلس؟ المجالس فى مصر كثيرة وقرارات تشكيلها متعددة، ولكن للأسف الواقع يؤكد أن الرتابة فى العمل والتآكل فى الحماس يجعلنا دائما محلك سر. نعم رئاسة الرئيس لهذا المجلس سيعطيه زخما مطلوبا خاصة للوزراء مع العلم أن الوزراء يجب أن يعلموا أن دورهم فى هذا الإطار معروف، وكان يجب أن يكون لكل وزير ووزارة خطته المعلنة والمطبقة فى مواجهة الإرهاب، وهنا بالطبع نستثنى وزارتى الداخلية ووالدفاع باعتبارهما حائط الصد الأول فى المواجهة الأمنية التى يجب ألا يكونا وحدهما فى ساحة المواجهة. لن يكون قبول الآخر ونحن ندعم الدولة الدينية حتى ولو شكلا. المواجهة تحتاج تأكيد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة كما جاء بالدستور. فلا دولة مدنية مع من يرفض الآخر الدينى على مدار الساعة ومن يسفه عقائد الآخر ومن ينعته بالنجاسة المعنوية، لن يكون قبول الآخر بأكشاك الفتاوى ولا بالنيات الحسنة ولا بتصدر المشهد لمن يسفهون عقائد الآخر ولا يؤمنون بالوطن انتماء وعلماً. المواجهة بالإيمان بهذا الوطن والتضحية من أجل سلامته وبذل كل جهد لحمايته. وكل مسؤول فى موضعه، حمى الله مصر وشعبها العظيم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة