التعاون الهائل من جانب الشركات الأمريكية مع إسرائيل فى مجال تكنولوجيا المعلومات يعد جوهريا لنجاح صناعات «وادى السليكون».
وقد صمم المهندسون فى مراكز الأبحاث والتطوير لشركة «إنتل» فى إسرائيل، العديد من المعالجات الدقيقة الأكثر نجاحاً للشركة، التى شكلت نحو 40 فى المائة من إيرادات «إنتل» فى العام الماض، فإذا كُنت قد أجريت معاملة آمنة على الإنترنت أو أرسلت رسالة فورية أو اشتريت شيئا باستخدام موقع «باى بال»، فعليك أن تشكر باحثى تكنولوجيا المعلومات الإسرائيليين، هكذا يرى الكاتبان السياسيان مايكل آيزنشتات وديفيد بولوك صاحبا الدراسة التى حملت عنوان «علاقة المنفعة: لماذا يعد التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل مفيداً لأمريكا؟» حيث أكدا أن المبتكرين الإسرائيليين قد توصلوا إلى حلول جديدة للتحديات الأمنية المرتبطة بالمياه والغذاء الناجمة عن نمو السكان والتغير المناخى والتطور الاقتصادى، وفى ضوء جغرافيا الشرق الأوسط فإن إسرائيل هى بالضرورة رائد عالمى فى الحفاظ على المياه وإدارتها وفى الزراعة عالية التقنية، إذ تقوم إسرائيل بتدوير أكثر من ثمانين فى المائة من مياه الصرف الصحى، وهى أعلى نسبة فى العالم، كما أنها رائدة فى استخدام تقنيات الحفاظ على المياه وتنقيتها، بما فى ذلك الرى بالتنقيط وتحلية المياه بنظام التناضح العكسى، كما أن عددا من الشركات الإسرائيلية حقق الريادة فى تطوير مصادر الطاقة المستدامة، فشركة «برايت سورس إنداستريز» على سبيل المثال تعمل على بناء محطة طاقة شمسية فى كاليفورنيا باستخدام تقنية إسرائيلية سوف تضاعف من كمية الكهرباء الحرارية الشمسية المنتجة فى الولايات المتحدة، وهذه الابتكارات، التى يعززها الاستثمار الأمريكى الهائل فى إسرائيل، تسهم فى تعزيز أهداف السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ولا شك أن التحالف مع إسرائيل لم يكن خالياً من المخاطر أو التكاليف بالنسبة لواشنطن، فحرب 1973 بين إسرائيل وجيرانها جعلت أمريكا على شفا صراع مع الاتحاد السوفيتى وأدت إلى فرض الدول العربية حظرا على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة. وعقب الغزو الإسرائيلى للبنان فى عام 1982، أرسلت إدارة الرئيس ريجان جنود مشاة البحرية الأمريكية للمساعدة على إرساء الاستقرار فى تلك البلاد، مما ترتب عليه فى النهاية وقوع هجمات مُكلفة على الدبلوماسيين وأفراد الجيش الأمريكيين هناك، كما أن الدعم الدبلوماسى والعسكرى الأمريكى لإسرائيل عزز الاتجاهات السلبية تجاه الولايات المتحدة فى العديد من البلدان العربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة.
وفى الواقع أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ساعد فى بعض الأوقات على تحفيز قيام علاقات أوثق بين واشنطن والعرب استناداً إلى النظرية بأن الولايات المتحدة وحدها هى التى تستطيع إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات فى المفاوضات؛ وكان ذلك جزءاً من المنطق وراء ابتعاد مصر عن الاتحاد السوفيتى والتقرب من الولايات المتحدة فى سبعينات القرن الماضى، وحتى خلال العقد الماضى الذى شهد تعاونا وثيقا بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى الرغم من الجمود فى عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ازدهرت العلاقات العربية مع الولايات المتحدة إلى حد بعيد، فالتجارة والاستثمارات الثنائية آخذة فى الازدهار، حيث وصلت الصادرات الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط فى عام 2011 مثلا إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق ووصلت قيمتها إلى 56 مليار دولار، كما أن التعاون فى مجال الدفاع وثيق كالعادة، وينعكس فى اتفاقات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات أبرمتها واشنطن مع حلفائها الخليجيين خلال السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن دولاً عديدة من بينها مصر والأردن، إلى جانب أن السلطة الفلسطينية، تشارك المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل وعملت فى أوقات متباينة من وراء الكواليس لتجنيد إسرائيل كوسيط لدى واشنطن. وقد كان ذلك هو الحال حتى فى ظل الحكومة المصرية التى أعقبت الثورة. ويؤكد ذلك كله الحقيقة بأن المصلحة الذاتية، وليس الأيديولوجية، هى المحفز الرئيسى لعلاقات الدول العربية مع واشنطن.
وعلى الرغم من الروابط التى لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، إلا أن الاضطرابات خلال الأعوام الماضية قد تسببت فى قيام غضب بالغ بين العديد من حلفاء واشنطن التقليديين فى المنطقة. إن الفوائد التى تحققها الولايات المتحدة من علاقتها مع إسرائيل تفند الحجة القائلة بأن التحالف قائم فقط على القيم الديمقراطية المشتركة للبلدين، أو على شعبية إسرائيل فى السياسة الأمريكية، أو على السعى المراوغ للتقدم فى عملية السلام. إنها علاقة تقوم على مصالح ملموسة–وسوف تبقى كذلك فى المستقبل المنظور.
ليس من السهل دائماً أن تكون حليفاً لإسرائيل «كما أن الإجراءات الإسرائيلية لا تجعل الأمور أكثر سهولة بصورة دائمة»، فالبلاد تواجه تحديات جمّة، منها الصراع المستمر مع الفلسطينيين، والفجوات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، والأصوات فى جميع أنحاء العالم التى تنكر حقها فى الوجود، والآن برنامج إيران النووى، لقد حققت إسرائيل تقدما غير مستقيم تجاه معالجة هذه المسائل ويلزم أن تفعل المزيد لكى تظل شريكاً جذاباً للولايات المتحدة. لكن نجاحاتها السابقة فى دمج أعداد غفيرة من المهاجرين وجسر الفجوات الاجتماعية العميقة وإظهار مرونة ملحوظة فى مواجهة الحرب والإرهاب توفر سبباً للاعتقاد بأن واشنطن تستطيع مواصلة الاعتماد على شريكها الأقرب فى الشرق الأوسط، وأنها سوف تواصل الاستفادة من تحالفها مع الدولة اليهودية. وغدا إن شاء الله نتواصل مع أخطر الدراسات التى رسمت علاقه أمريكا بدول الشرق الأوسط ودولة العدو الصهيوني. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة